على بيعها فامتنعت وقالت : ما كنت لأبيع جوار الملك بالدنيا جميعها ، فاستحسن منها هذا الكلام وأمر ببناء الإيوان وترك دارها في موضعها منه وإحكام عمارتها ، ولما رأيت الإيوان رأيت في جانب منه قبّة صغيرة محكمة العمارة يعرفها أهل تلك الناحية بقبّة العجوز ، فعجبت من قوم كان هذا مذهبهم في العدل والرفق بالرعية كيف ذهبت دولتهم لولا النبوّة التي شرّفها الله تعالى وشرف بها عباده ، وقال ابن الحاجب يذكر الإيوان :
يا من بناه بشاهق البنيان! |
|
أنسيت صنع الدهر بالإيوان؟ |
هذي المصانع والدساكر والبنا |
|
وقصور كسرانا أنو شروان |
كتب الليالي ، في ذراها ، أسطرا |
|
بيد البلى وأنامل الحدثان |
إنّ الحوادث والخطوب ، إذا سطت |
|
أودت بكل موثّق الأركان |
قلت : ومن أحسن ما قيل في الإيوان قول أبي عبادة البحتري :
حضرت رحلي الهموم ، فوجّهت |
|
إلى أبيض المدائن عنسي |
أتسلّى عن الحظوظ ، وآسى |
|
لمحلّ ، من آل ساسان درس |
ذكّرتنيهم الخطوب التّوالي ، |
|
ولقد تذكر الخطوب وتنسي |
وهم خافضون في ظلّ عال |
|
مشرف ، يحسر العيون ويخسي |
مغلق بابه ، على جبل القبق ، |
|
إلى دارتي خلاط ومكس |
حلل ، لم تكن كأطلال سعدى ، |
|
في قفار من البسابس ملس |
ومساع ، لولا المحاباة منّي ، |
|
لم تطقها مسعاة عنس وعبس |
نقل الدّهر عهد هنّ عن الجدّة ، |
|
حتّى غدون أنضاء لبس |
فكأنّ الجرماز ، من عدم الأنس |
|
وإخلاقه ، بنيّة رمس |
لو تراه ، علمت أنّ اللّيالي |
|
جعلت فيه مأتما ، بعد عرس |
وهو ينبيك عن عجائب قوم ، |
|
لا يشاب البيان فيهم بلبس |
فإذا ما رأيت صورة أنطا |
|
كيّة ارتعت بين روم وفرس |
وقد كان في الإيوان صورة كسرى أنوشروان وقيصر ملك أنطاكية وهو يحاصرها ويحارب أهلها :
والمنايا مواثل ، وأنوشر |
|
وان يزجي الصّفوف تحت الدّرفس |
في اخضرار من اللّباس ، على أصفر |
|
يختال في صبيغة ورس |
وعراك الرّجال ، بين يديه ، |
|
في خفوت منهم وإغماض جرس |
من مشيح ، يهوي بعامل رمح ، |
|
ومليح من السّنان ، بترس |
تصف العين أنّهم جدّ أحياء ، |
|
لهم ، بينهم ، إشارة خرس |
يغتلي فيهم ارتيابي ، حتّى |
|
تتقرّاهم يداي بلمس |