ذكر في هذه الأبيات أن حروف العطف عشرة محصورة بالعدد منقولة عن العرب مشتهرة عند علماء هذا الفن ، ولعله قصد بذلك الرد على من أنكر أن إما المسبوقة بمثلها عاطفة وأن العطف بالواو التي قبلها. ونقل عن ابن عصفور دعوى الإجماع على كونها غير عاطفة كالأولى تخلصا من دخول عاطف على عاطف ، وإنما ذكرت في باب العطف لمصاحبتها لحرفه.
وحروف العطف قسمان : قسم يقتضي التشريك في الإعراب والحكم ، وهو سبعة : الواو والفاء وثم وحتى وأو وإما وأم. وقسم يقتضي التشريك في الإعراب فقط ، وهو ثلاثة : بل ولكن ولا. وإنما تعددت حروف العطف لتعدد معانيها ، فالواو لمطلق الجمع بين المتعاطفين في الحكم لا تفيد ترتيبا ولا معية بدليل صحة نحو : اشترك زيد وعمرو ، (فيعطف بها سابق) ، (ولا حق) ، (ومصاحب). والفاء للترتيب والتعقيب فيعطف بها لاحق متصل نحو : تزوج زيد فولد له ، إذا لم يكن بين التزوج والولادة إلا مدة الحمل مع لحظة الوطء ومقدمته. وثم ، للترتيب والمهلة أي التراخي في الزمان فيعطف بها لاحق منفصل نحو : غاب زيد ثم حضر ، ويعطف بلا بعد مثبت لنفي الحكم عن تاليها وقصره على متلوّها نحو : زيد كاتب لا شاعر ، ويعطف بحتى بعض على كل ولو تقديرا نحو : أكلت السمكة حتى رأسها. وقوله :
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله |
|
والزاد حتى نعله ألقاها |
أي ألقى ما يثقله حتى نعله. ولا يكون المعطوف بها إلا اسما ظاهرا غاية لما قبلها في شرف أو إهانة أو قوة أو ضعف نحو : مات الناس حتى الأنبياء ،
______________________________________________________
(قوله : فيعطف بها سابق) نحو : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ)(١).
(قوله : ولاحق) نحو : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ)(٢).
(قوله : ومصاحب) نحو : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ)(٣).
__________________
(١) سورة الشورى ، الآية ٣.
(٢) سورة الحديد ، الآية ٢٦.
(٣) سورة العنكبوت ، الآية ١٥.