حين زوج ابنه الثاني (أبو القاسم) من ابنة الوزير (٥٢). ولم يقتصر اثر ابن الجوزي في هذا العهد القصير على الوعظ في بيت الوزير ، بل كانت له مجالس في الجامع الكبير ، ومجالس في المدارس المختلفة التي تولى التعليم فيها بعد شيوخه. غير أنه في سنة ٥٦٠ فقد الحنابلة بموت يحيى ابن هبيرة عضدا عظيما ، وكان قد تفقه على مذهب ابن حنبل ، ودافع عن الحنابلة ، فتعرضوا بعد موته لمحنة من جماعة الاشعرية ، ومن بعض موظفي الدولة فقد سجن ابنا الوزير ومات أحدهما عز الدين خنقا في السجن سنة ٥٦١ ه (٥٣). ومات شرف الدين في السجن سنة ٥٦٢ وكلاهما كان شاعرا مجيدا. حتى إذا توفي الخليفة المستنجد سنة ٥٦٦ ه. وخلفه المستضيء تغيّر الأمر ، فقد حظي ابن الجوزي عنده بمكانة كبيرة ، وسمح له أن يعظ بحضوره سلسلة عظات ، وأمر باقامة دكة له في جامع القصر ، وحضر مجلسه مرات من وراء الستر (٥٤). ولم يفت ابن الجوزي أن يذكر هذا العطف الخاص ، فقد أشار في كتبه إلى أن المستضيء كان لطيفا ومحسنا إليه ، وزعموا في اخباره أنه كان يحضر مجلسه في بغداد أكثر من عشرة آلاف نفس ، وقال سبطه : وربما مئة ألف. (٥٥). ولعل مصدر هذه المبالغة من سبطه تعود إلى ما قرأه في كتاب جده «المنتظم في تاريخ الملوك والامم» فهو يذكر فيه في أخبار سنة ٥٦٩ مجلسا حضره جمع كبير قال :
__________________
(٥٢) عرض السيد مصطفى عبد الواحد في مقدمته لكتاب ذم الهوى ص ٩ وقال : لم يعرف التجاؤه الى احد منهم [يقصد الحكام] غير ما يذكر ابن العماد الحنبلي من انه عظم شأنه في ولاية ابن هبيرة. فلا نعلم سر هذه العظمة أكانت اتفاقا حدث في ولاية هبيرة ام كانت من ابن هبيرة له» ويظهر ان السيد مصطفى لم يعلم بهذه الصلة من القربى والمشيخة.
(٥٣) راجع تفصيل خبر موته في : ابن الجوزي (المنتظم) : ١٠ : ٢١٨.
(٥٤) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.
(٥٥) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣١٠ وابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ١٩٤.