«وسألني أهل الحربية أن أعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة فوعدتهم ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الأول فانقلبت بغداد وعبر أهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كثيرة فعبرت إلى باب النصر فدخلتها بعد المغرب فتلقاني أهلها بالشموع الكثيرة وصحبني منها خلق عظيم فلما خرجت من باب البصرة رأيت أهل الحربية قد أقبلوا بشموع لا يمكن احصاؤها فأضيفت إلى شموع أهل باب البصرة فحزرت بألف شمعة فما رأيت البرية إلّا مملوءة ضوءا وخرج أهل المحال الرجال والنساء والصبيان ينظرون وكان الزحام في البرية كالزحام في سوق الثلثاء فدخلت الحربية وقد امتلأ الشارع واكتريت الرواشن من وقت الضحى فلو قيل أن الذين خرجوا يطلبون المجلس في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع المجتمعين في المجلس كانوا ثلثمائة ألف ما أبعد القائل» (٥٦).
مجالس ابن الجوزي التي حضرها ابن جبير
لعله ليس بين جميع الذين كتبوا عن ابن الجوزي من وصف مجالسه كما فعل الرحّالة الاندلسي الشهير ابن جبير. حتى حفيده لم يصف مجالس جدّه كما فعل ابن جبير. ومن الممتع أن نعلم أن ابن جبير يصفها وصف معاين. فقد قام برحلته إلى المشرق ، وحجّ ، وزار الاماكن المقدسة ، ومرّ ببغداد ، وحضر مجالس بعض شيوخها ، ومنها مجالس ابن الجوزي ، في عهد الخليفة الناصر ابن المستضيء. وذلك سنة ٥٨٠ ه. ومع أنه لم يرض عن أهل بغداد ، بل ذمّهم ، فانه استثنى فقهاءها المحدّثين ، ووعاظها المذكّرين ، ووصف بعض هذه المجالس ، وأطال في وصفه لمجالس ابن الجوزي ، واطنب في الثناء. ونرى من الخير أن نترك له الكلام قال :
__________________
(٥٦) ابن الجوزي ، المنتظم ١٠ : ٢٤٣.