وكانت شهرته قد ذاعت وعرفت مكانته ، فألقى عظة في كلّ من الجامعين الكبيرين فيهما. وهكذا فانه لم يقم بأيّ رحلة إلى قطر غير الحجاز ، وظلّ طول حياته في بغداد ما عدا السنين التي نفي فيها إلى واسط. وقد وصف ما رآه في زيارته الثانية للحجاز ، فقال : «ودار بنا الدليل على طريق خيبر ، فرأيت من الجبال وغيرها العجايب» وعلّق حفيده على كلام جدّه فقال : «ما رأى رحمه الله جبل لبنان وجبل الثلج وايلة وغيرها» (٤٧). ويقصد سبطه بهذا القول أنه لو رأى هذه المواضع ، لما بلغ إعجابه إلى هذا الحد بما رأى في الحجاز.
نكبته في طوفان بغداد
وفي آخر خلافة المتقي (٥٣٠ ـ ٥٥٥ ه) كان ابن الجوزي قد كتب كتبا كثيرة ، ولكنها غرقت فيما يقول سبطه ، وذلك بسبب الطوفان العظيم الذي اجتاح بغداد سنة ٥٥٤ ه. ودمّر كل الضاحية التي كانت فيها داره ، وكانت في شارع اسمه درب الغبار فاضطر ابن الجوزي ، حين أخذ الطوفان يحتاج الحي الذي كانت داره فيه ، إلى أن يعبر الجانب الغربي ، حتى إذا عاد بعد ذلك بيومين ، لم يجد حائطا قائما ، ولم يستطع أن يعرف أين كانت ، بل لم يستدل على الدرب نفسه إلا من منارة المسجد فانها لم تقع (٤٨). وقد نكب في تلك السنة نفسها بوفاة ابنه الاكبر عبد العزيز
__________________
(٤٧) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٤١. يقصد بجبل الثلج الجبل المعروف الان في لبنان بجبل الشيخ وقد رآه السبط كما نعرف من اخباره.
(٤٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٤٣. اما ابن الجوزي نفسه فانه حين ذكر اخبار تلك السنة في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والامم. ج ١٠ ص ١٨٩ ـ ١٩٠ ذكر الطوفان في ١٨ ربيع الاول وهدمه للدور والسور ولكنه لم يشر الى غرق كتبه مع انه قال : وخرجت من داري بدرب القيار (بالقاف والياء) يوم الاحد وقت الضحى فدخل اليها الماء وقت الظهر فلما كانت العصر وقعت الدور كلها ... وتهدم السور ... وجئت بعد يومين الى درب القيار فما رايت حائطا قائما ولم يعرف احد موضع داره الا بالتخمين.