عنه : «وكتب بخطه ما لم يدخل تحت حصر» (٣٢).
كان ابن الجوزي حنبليا. وكانت الجماعة الاسلامية قد انقسمت قبل عهده بزمن طويل إلى فئتين رئيستين ـ كما هو معروف ـ ، هما فئة السنّة وفئة الشيعة. وقد تفرّعت الأولى إلى أربعة مذاهب ، هي المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية. وكان من الطبيعي لكل فرقة من أتباع هذه المذاهب أن تعمد إلى القرآن والحديث للدفاع عن مذهبها. فدعا هذا الأمر إلى كثرة الشيوخ من علماء الدين ، بحيث زعم ابن الجوزي أنه سمع من أكثر من ثمانين شيخا ذكرهم في كتابه «المشيخة» وذكر بعضهم سبطه في مرآة الزمان. وابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة. وهكذا وجد ابن الجوزي طريقه إلى التعمق في دراسة القرآن والحديث ، بحيث استطاع أن يقول عن نفسه حين شعر بتفوقه في علم الحديث : «لا يكاد يذكر لي حديث ولا يمكنني أقول صحيح او حسن أو محال» (٣٣).
وقد أدى الاختلاف بين بعض أتباع هذه المذاهب ، في كثير من الأحوال ، إلى النزاع كما نرى من بعض كتبه التي تعرّض بها لاتباع بعض المذاهب الأخرى. أو إلى الاضطهاد من الذين كانوا يتولّون السلطة ، كما جرى له هو نفسه على يد بعض الوزراء وأعوانهم في بغداد.
شيوخه
وفدت أسرة ابن الجوزي إلى بغداد من فرضة جوزة كما مر معنا ، وكان والد ابن الجوزي فيما يظهر من تجار النحاس ، وقد مات حين كان لابنه ثلاث سنين من العمر ، فعهد بتربيته إلى عمّة له كانت صالحة ، فبذلت
__________________
(٣٢) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٥.
(٣٣) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.