في الأدب مقاماته الشهيرة سنة ٥٠٤. ووضع بعده يحيى ابن سعيد الطبيب النصراني (ت ٥٥٨ ه). ستين مقامة تضاهي مقامات الحريري. وقال عنه سبط ابن الجوزي أنه أوحد زمانه في معرفة الطب والأدب (٢٨) وكثيرون غيرهم من العلماء والأدباء. وهذا كله يشير إلى أن الحركة العلمية لم تمت.
وكان فنّ الخطّ والنسخ قد ارتقى بفضل رغبة الكتّاب في نسخ القرآن والدواوين الشعرية وكتب الحديث وغيرها لمكتبات الخلفاء والامراء والوزراء وللمريدين. فصار لهذه الطبقة من الكتّاب مكانة مرموقة بعد ظهور الخطاطين المشهورين ـ الريحاني وابن مقلة وابن البوّاب. وأصبح النسخ أمرا شائعا وسهلا ، وأصبحت الكتابة أمرا مستجادا. ومع أننا لم نطلع على أي نسخة خطية من كتب ابن الجوزي ممّا يمكن أن يكون كتبها بيده فاننا لا نستغرب ـ بعد أن اطلعنا على المخطوطات التي تخلفت عن ذلك العصر ـ أن يكون ممن أجادوا الخط لا سيما وانه قد كتب بخط يده الوف الصفحات وقد زعم الرواة أنه كان يكتب كل يوم أربع كراريس (٢٩). وقد ذكر ابن خلكان وابن الفرات ان ابن الجوزي جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث الرسول ، فحصل منها شيء كثير ، وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ، ففعل ذلك وكفت وفضل منها (٣٠). وسنرى حين نعرض لتآليفه أنه وضع من الكتب ما يزيد عن ثلاثمئة ، كتبها كلها بخط يده. وقد لاحظ ذلك ابن العماد الحنبلي ، فقال فيه : وكتب بخطّه ما لا يوصف (٣١). وقال ابن الساعي خازن كتب المستنصرية
__________________
(٢٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٥٢.
(٢٩) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠ ، ابن الفرات : المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٠ ينقل عن ابن خلكان ان هناك من زعم انه كان يكتب ٩ كراريس.
(٣٠) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٠.
(٣١) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٢٩.