طبيعة البلدة ومحيطها وما يميّزها عن سواها ، فإنّ وادي قاديشا يمتاز بخصائص أيكولوجية وطبيعيّة هيّأت لمن سكنه أسباب الحياة والإستمرار ، فتربته خصبة وأرضه خضراء ينبت فيها شتى أنواع المزروعات ، ويعبرها نهران يتغذّيان من روافد وينابيع مصدرها الصخور المحيطة ، ولطالما شكّل ملجأ طبيعيّا يقي اللاجئين إليه شرّ الغزاة والطامحين.
أمّا اسم قاديشا الذي يرتبط تاريخيّا وجغرافيّا ببشرّي ، فسريانيّ ـ آراميّ ، QADDISHA يعني : مقدّس ، وهو الإسم الذي يحمله الوادي الغنيّ بالأديار والصوامع والمعابد والكنائس : الوادي المقدّس. غير أنّنا نميل إلى اعتبار أنّ هذا الوادي قد اتّخذ اسمه قبل المسيحيّة ، وأنّه كان له اعتبارا مقدّسا عند الفينيقيّين بحسب ديانتهم.
تفيد الآثار عن أنّ بشرّي كانت مأهولة منذ العصور الكنعانيّة ـ الفينيقيّة ، ومن تلك الآثار الهرم الصخري في قاموع بشري الذي يبلغ ارتفاعه نحو عشرة أمتار ، وقد حفرت في أسفله نواويس مدفنيّة عدّة ، ويقع هذا" القاموع" عند المنحدر الجبلي المطلّ على بشري من الشمال الشرقي ، فوق دير مار سركيس المبنيّ على أنقاض معبد فينيقي ، وقد حوّل حديثا إلى متحف لأعمال ابن بشرّي النابغة جبران خليل جبران. ويؤكّد عدد من المؤرخين أنّ بشري كانت ملجأ لعائلات فينيقيّة إبّان تعرّض مدن السواحل لغزو القراصنة أو لحملات عسكريّة ، وما لبث هؤلاء أن وطّدوا سكناهم فيها ، وراحوا يقيمون شعائرهم واحتفالاتهم الدينيّة في معابد أنشأوها فيها ، ومن بقايا تلك المعابد إضافة إلى الذي يقوم على أنقاضه دير مار سركيس ، معبد آخر أصبح مقاما على اسم" سيدة الدرّ" ، وهو محفور في الصخر ويضم حنايا عدة ، وكانت تزيّن جدرانه رسوم قديمة لا يزال القليل منها ظاهرا بسبب طليها بمواد