وهي دونها في الذرع والمحال من ورائها وفيما بينها».
كيف يتجسم كل ذلك في الواقع الملموس؟
لنفرض بداية أن كل طريق قبلية كبرى منطلقة من طرف المساحة المركزية ، كان طولها ٤ / ٣ كم تقريبا ، فالمسافة من الفرات إلى المسجد الحالي تعادل كيلومترا وربع الكيلومتر. وبما أن منطقة الفيضانات القريبة من الفرات لم تكن مأهولة ـ وعلى هذا يكون موقع السبخة بهذا المكان ـ فينبغي حذف قطيعتين إحداهما تقدر ب ٢٥٠ مترا وتكون للصحن ، والثانية للسبخة ، وبذلك يكون العمق مساويا ل ٧٥٠ مترا ـ إذ إن الكوفة في بدايتها لا يمكن إلا أن تكون مربعة الشكل وتماثلية ، كما كانت البصرة مدة طويلة (١) ، وكما ستكون المدينة المستديرة التي بناها المنصور للمرة الأولى (٢). وعلى هذا ، كان يحيط بكل قبيلة طريقان طويلتان عرضهما ٤٠ ، ٢١ مترا ، وطولهما ٤ / ٣ كم وكانت القبيلة تقيم على قطيعة يختلف عرضها بحسب عدد المناهج (٥ شمالا و ٣ شرقا). فعلى وجه التدقيق ، لم يكن لخطة همدان مثلا أن تتجاوز عرض ٩٣ مترا في حين أن خطة تميم كان يمكنها أن تبلغ ٢٠٨ من الأمتار (٣). وبالنظر في هذا المثال الأخير فإننا نتصور سكة من الفئة الثانية (١٦ مترا) تقسم القطيعة قسمين في وسطها ، وتوازي تقريبا المناهج على طول الخطة ، أي
__________________
وقد صاغ سيف جملته على النحو التالي : «وبنوا مناهج دونها تحاذي هذه ثم تلاقيها». حاذى (جذر ح ذ ى) تطرح عليها مشكلا صغيرا في فقه اللغة. وهي تعني أصلا (لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ١٦٩ ، ١٧٠): «حذا النعل : قطعها على مثال».
ثم يذكر لسان العرب كمرادف آزى وقابل ، وكذلك عند الزبيدي الذي أورد أزى ، ج ١٠ ، ص ٨٥. لكن إذا عبرت فكرة الموازاة بوضوح عن مقصودها ، فليس الأمر كذلك بالنسبة لكلمة مقابلة المعبرة عن التواجه. وقد استعمل لسان العرب آزى وإزاء ، ودعمه بفعلين هما حاذى وقابل : ج ١٤ ، ص ٣٢. فمن جهة نتبين في الموازاة معنى المجانبة ، لأن المثال الذي يقدمه ابن منظور خاص بشخصين يتماشيان جنبا لجنب. لكنه من جهة أخرى بخصوص إزاء وموازاة ، يقدم أمثلة عن المقابلة التي تتجسم مثلا في مواجهة العدو. لكن عندما تحدّد المعجم العربي بوضوح أكثر بفضل تقدم العلوم ، لم يحتفظ المهندسون إلّا بفكرة المجانبة في الكلمتين. راجع : Serre ـ Schmidt, Lexique technique franc ? ais ـ arabe, II, p. ٠٦٦١ ؛ وكذلك Blache ? re ,Chone ? mi ,De ـ nizeau ,I ,p.٢٠١ ؛ والمعجم الوسيط ، القاهرة ١٩٧٢ ، ج ٢ ، ص ١٠٣٠. على أن الأمر يتعلق هنا بتطور في الدلالة من المفروض أن سيفا كان يجهله. والمرجّح إذن أن مؤلّفنا أراد التعبير عن الموازاة بالمعنى المقبول حديثا. لكن شكا طفيفا ما زال قائما بخصوص وضعية عمودية ممكنة.
(١) ياقوت ، معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٤٣٤. كانت أبعاد البصرة في ولاية خالد القسري (١٠٥ ـ ١٢٠) فرسخين على فرسخين ، أي ١٢ كيلومترا على ١٢ كيلومترا.
(٢) من حيث تساوي المسافة بالنظر للمركز.
(٣) ٢٠٨ أمتار بالضبط ، نحصل عليها بطرح ٤٠ ، ٢١ مترا* ٣ من ٤٨٠ مترا (ضلع الصحن) ، فتكون النتيجة ٤١٦ ، ثم يقسم هذا الرقم على ٢.