يسلك طريقا تتجه إلى الجنوب الغربي (١) ، فيصطدم في الصميم بالجدار الشمال الشرقي للمسجد ، ووراءه القبلة ، أي بشمال شرقي يكاد يكون شرقا. ويمكن التساؤل عما إذا كان مربع المركز لا يقع موقع القطر بالنسبة للفرات وكذلك بالنسبة للخطط القبلية؟ وفي هذه الصورة ، الاتجاه الذي يكون واقعا إلى الشمال على سبيل الافتراض ، يصبح اتجاهه إلى الشرق ، وتكون القبلة غربا ، والشرق شمالا ، والغرب جنوبا. فهل هذا الذي حمل البلاذري على القول إن اليمن (يعني بجيلة والازد) استقرت في اتجاه الشرق ، وقد جاء ذلك الخبر في فتوح البلدان (٢) ، ورواه كل المؤلفين تقريبا (٣)؟ هذا افتراض يصعب اعتماده حقا ، لأن مؤشرات كثيرة جدا وردت في رواية الأحداث التالية تبدو مناقضة له (٤). وحسبنا أن نعتمد الفكرة التي تقول إن المحور المركزي الذي تشكلت حوله المدينة في جملتها ، كان يتجه بصفة بارزة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ، حيث كان الفرات إلى الشرق بصفة واضحة (٥) ، وقام مقام الحد الوحيد المعرّف للكوفة.
وانطلاقا من ذلك ، يمكن أن نتصور مخططا نجوميا ومخططا مربعا تماما على السواء. فمن جهة ، تنتهي الطرق وتنفصل ، تاركة المجال للمساكن ، ثم تتوقف في مكان ما ، ومن مزايا هذا المخطط سد الزوايا الفارغة التي اكتست أهمية نسبية. أما في الافتراض الثاني فإننا سنجد شوارع متوازية فيما بينها ، شاقولية بالنسبة لجوانب الصحن ، أي شكلا يكتسي كمالا هندسيا كبيرا. واعتقادي أن روح النص الذي نعتمده ، تؤيد الصورة الثانية ، بمعنى البنية البسيطة. ونصل إلى حل مشكل الزوايا نصف الحل بفضل العبارة التالية : «فكان هؤلاء (أي القبائل التي تم تعدادها) الذين يلون الصحن وسائر الناس بين ذلك ومن وراء ذلك». فماذا يعني هذا سوى أن الفراغات التي خلفتها الزوايا قد جرى سدها؟ متى؟ هل تم الأمر فورا وبصورة عشوائية ، أم بعد مدة من ذلك ، لما تبين أن المخطط الأول غير ملائم ، فوجب تكييفه؟ ليس الأمر مهمّا الآن ، بل المهم أن المناهج لم تسطر لكل الناس ، وأن المناهج
__________________
(١) الجنابي ، خارطة رقم ١١.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٧٥.
(٣) مثلا ياقوت ، معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩١.
(٤) انظر فيما بعد تحاليل للروايات عن ثورة المختار وشبيب. لكن مفهوم أهل اليمن يرتبط بالأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وقضاعة وخزاعة ، في رواية أبي مخنف بخصوص ثورة حجر : الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٦١. لكن ينبغي تحديد موقع الأنصار والأزد وربما خزاعة وقضاعة إلى الشرق والجنوب الشرقي.
(٥) من الملاحظ على كل أن البلاذري وياقوت لم يحددا المنطقة الشرقية بصفتها منطقة تجانب الفرات. وحدد ياقوت خلافا لذلك ، في معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩٢ ، موقع ثقيف «بين الماء ودار الامارة». ولعلّ الفرات اعتبر حدا يقع إلى الشمال الشرقي ، لوجود الجسر وطريق المشرق ، العابرين للنهر.