فالإعراب : (هو تغيّر العلامة التى فى آخر اللفظ ، بسبب تغير العوامل الداخلة عليه ، وما يقتضيه كل عامل) (١).
وفائدته : أنه رمز إلى معنى معين دون غيره ـ كالفاعلية ، والمفعولية ، وغيرهما ـ ولولاه لاختلطت المعانى ، والتبست ، ولم يفترق بعضها من بعض. وهو ـ مع هذه المزية الكبرى ـ موجز غاية الإيجاز ، لا يعادله فى إيجازه واختصاره شىء آخر يدلّ دلالته على المعنى المعين الذى يرمز له (٢). وهذه مزية أخرى.
والمعرب : هو اللفظ الذى يدخله الإعراب (٣) (أى ، التّغير الذى وصفناه) والعامل هو : ما يؤثر فى اللفظ تأثيرا ينشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص ؛ كالفاعلية ، أو المفعولية ، أو غيرهما. ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة : «ا» أو مقدرة. كأمثلة : «ب» فإن الدليل على إعرابها وهى مفردة أن علامة آخرها تتغير عند التثنية والجمع ، فتقول : تراكم النّديان ، وامتص النبات النّديين ، وارتوى من النديين (٤).
__________________
ـ عوامل لفظية ؛ كالفعل ، وكحرف الجر ، والجوازم ... ، أم معنوية ؛ كالابتداء ، وسواء أكانت أصلية أم زائدة (وستجىء أنواع العوامل فى م ٣٣ أول باب المبتدا والخبر ـ وانظر ص ٧١ ..)
ومما تقدم نعلم أن تلك العوامل بنوعيها ليست مخلوقات حية ، تجرى فيها الروح فتعمل ما تريد ، وتحس بما يقع عليها ، وتؤثر بنفسها ، وتتأثر حقا بما يصيبها ، وتحدث حركات الإعراب المختلفة ، فليس لها شىء من ذلك. إنما الذى يؤثر ، ويتأثر. ويحدث حركات الإعراب ـ هو المتكلم ، وليست هى. ولكن النحاة نسبوا إليها العمل. لأنها المرشد إلى المعانى والرموز. وهى نسبة جارية على أصح الاستعمالات العربية وأبلغها ، إذ هى السبب فى الاهتداء إلى كشف المعنى المراد من الكلمة ـ كما أسلفنا ـ وإذا ثبت لها هذا فليس فى اللغة مانع من نسبة العمل إليها ، وتسميتها : «عاملا» ، ولا عيب فى أن نقول مثلا : «كان» ترفع المبتدأ وتنصب الخبر ، و «إن»» تنصب المبتدأ وترفع الخبر ، و «ظن» تنصبهما مفعولين لها ... و... و.. إلى غير ذلك مما يجرى هذا المجرى الذى يتفق بغير شك مع أصول الاستعمال العربى الفصيح بل مع الأسلوب البلاغى الأعلى ، ولا داعى للاعتراض عليه كما يتردد على ألسنة بعض المتسرعين. نعم لها بعض عيوب (كالتى نراها فى باب التنازع من ح ٢) ولكنها يسيرة يمكن تداركها ، وسنشير إليها تباعا ، حين نصادفها.
(١) وللإعراب معنى آخر مشهور بين المشتغلين بالعلوم العربية ، هو : التطبيق العام على القواعد النحوية المختلفة ، ببيان ما فى الكلام من فعل ، أو : فاعل ، أو : مبتدأ ، أو : خبر ، أو : مفعول ، أو حال .. أو غير ذلك من أنواع الأسماء ، والأفعال ، والحروف ، وموقع كل منها فى جملته ، وبنائه أو إعرابه ... أو غير ذلك.
(٢) فلو أردنا أن ندل على الفاعلية أو المفعولية فى مثل : أكرم الولد الوالد لاستعملنا ألفاظا كثيرة ؛ كأن نقول : إن الولد هو فاعل الإكرام ، والوالد هو الذى ناله الإكرام ... وفى هذا اسراف كلامى وزمانى. كما سبق فى هامش الصفحة السابقة.
(٣) فالإعراب غير المعرب ، كما أن الإكرام غير المكرم ، والإرسال غير المرسل.
(٤) فى ص ٨٠ إيضاح الإعراب المحلى والتقديرى ومن التقديرى نوع سيجىء فى «و» من ص ١٤٣ أما تفصيل مواضعه ففى ص ١٧٩ وما بعدها.