فنحن نرى أن الدواعى تغيرت فى الجمل الثلاث السالفة على حسب المعانى المطلوبة ، من فاعلية ، ومفعولية ، وتكملة أخرى للفعل ... وتبعها فى كل حالة تغيّر العلامة التى فى آخر كلمة : «الهلال». فتغير العلامة على الوجه السالف يسمى : «الإعراب» ، والداعى الذى أوجده يسمى : «العامل» (١).
__________________
(١) كثر الكلام على العامل قديما وحديثا ، وعلى ما له من أثر سىء فى النحو العربى ، وفى الأساليب ، وصياغتها ، وفهمها. ولم نر بين المتكلمين من راعى جانب الاعتدال والإنصاف.
وأقوى ما وجهوه إلى العامل من طعن أمران : أولهما : ان النحاة نسبوا العمل إليه ؛ فجعلوه هو الذى يرفع ، أو ينصب ، أو يجر ، أو يجزم ؛ مع أنه قد يكون سببا فى خفاء المعنى ـ فى زعمهم ـ أو تعقيده. وكيف ينسب إليه العمل وهو لا يعمل شيئا ؛ وإنما الذى يعمل هو : المتكلم؟
ثانيهما : أن النحاة ـ وقد قصروا عليه العمل وحده ـ بحثوا عنه فى بعض التراكيب العربية الصحيحة فلم يجدوه ؛ فاضطروا أن يقدروه ، وأن يفترضوا وجوده ، ويتكلفوا ، ويتعسفوا.
والحق أن النحاة أبرياء مما اتهموا به ؛ بل أذكياء ، بارعون فيما قرروه بشأن : «نظرية العامل» ؛ فقد قامت على أساس يوافق خير أسس التربية الحديثة لتعليم اللغة ، وضبط قواعدها ، وتيسير استعمالها. ونسوق لهذا مثلا يوضحه ، ويزيد الأمثلة السابقة إيضاحا ؛ «أكرم محمود الضيف». فمحمود فى هذه الجملة ينسب إليه شىء. وكذلك «الضيف». فما الذى ينسب إلى كل منهما؟
ا ـ ينسب إلى محمود أنه فعل الكرم ؛ فهو فاعل الكرم. فبدلا من أن نقول : ينسب إلى محمود أنه فعل شيئا ، هو : الكرم ، أو : ينسب إلى محمود أنه فاعل الكرم ـ حذفنا هذه الكلمات الكثيرة واستغنينا عنها برمز صغير ـ اصطلح عليه النحاة ـ يرشد إليها ، ويدل عليها ؛ ذلك الرمز هو : الضمة التى فى آخر كلمة : «محمود». فهذه الضمة على صغرها تدل على ما تدل عليه تلك الكلمات المحذوفة الكثيرة. وهذه مقدرة وبراعة أدت إلى ادخار الوقت والجهد باستعمال ذلك الرمز الاصطلاحى الذى دل على المعنى المطلوب بأخصر إشارة. ـ كما سيجىء فى رقم ٢ من هامش الصفحة الآتية.
لكن كيف عرفنا ـ فى التركيب السابق ـ أن (محمودا) فعل شيئا ، أى : أنه فاعل؟ عرفنا ذلك من كلمة قبله هى : «أكرم» ويسميها النحاة : «فعلا» فوجود الفعل دل على وجود الفاعل ، ووجود الفاعل يقتضى أن نعلنه ، ونذيع أنه الفاعل. وطريقة الإذاعة قد تكون بكلمات كثيرة ، أو قليلة ، أو برمز يغنى عن هذه وتلك ، كالضمة التى اختارها النحاة واصطلحوا على أنها الرمز الدال ، على الفاعلية ... وعلى هذا يكون الفعل هو السبب فى الاهتداء أولا إلى الفاعل ، وإلى الكشف عنه ، ثم إلى وضع الرمز الصغير فى آخره ؛ ليكون إعلانا على أنه الفاعل ، وشارة دالة عليه. فالفعل هو السبب أيضا فى ذلك الرمز وفى اجتلابه والإتيان به ؛ فليس غريبا أن يقول النحاة ؛ «إن الفعل هو الذى عمل الرفع فى الفاعل» لأنه السبب فى مجيئه ، ويسمونه من أجل ذلك : «عاملا».
ب ـ مثل هذا يقال فى كلمة : «الضيف» فقد نسب إليه شىء ـ كما سبق ـ فما ذلك الشىء المنسوب إليه؟ هو أنه وقع عليه كرم ، أو : حصل له شىء ؛ هو : «الكرم». وقد حذفنا هذه الكلمات الكثيرة ، واستغنينا عنها برمز صغير اصطلح عليه النحاة ، يرشد إليها ، ويدل عليها ، هو الفتحة فى آخر : الضيف ؛ فهى تؤدى ما تؤديه الكلمات المتعددة التى حذفت. والذى أرشدنا إلى أن الضيف وقع عليه شىء هو وجود الفعل والفاعل معا قبله. ولما كان الفعل هو المرشد إلى الفاعل والدال عليه ـ وكان الفعل هو الأصل فى الإرشاد وفى الدلالة على الفاعل وعلى المفعول ؛ فهو الأصل أيضا فى جلب العلامة الدالة على كل منهما ، وهو السبب الأساسى فى مجيئها ؛ فسمى لذلك : «عاملها».
وما يقال فى الفعل مع فاعله ومفعوله يقال فى غيره من العوامل الأخرى مع معمولاتها ؛ سواء أكانت