وأما «كأنّ» فيجوز تخفيف نونها المشددة (بحذف الثانية المفتوحة ، وإبقاء الأولى ساكنة) ويترتب على التخفيف أمور ؛ منها :
(ا) أن معناها لا يتغير ، وإعمالها واجب.
(ب) أن اسمها ـ فى الأغلب ـ يكون ضميرا للشأن ، أو لغير الشأن ؛ فمثال الأول. كأن عصفور سهم فى السرعة (١) ، أى : كأنه (الحال والشأن) عصفور سهم. ومثال الثانى : يدقّ البرد (٢) النافذة ، وكأن حجر ، أى : كأنه حجر (٣). ولو قلنا : يدق البرد النافذة وكأن «حجر» صغير يدق ـ لجاز الاعتباران (٤) وقد اجتمعت المشددة والمخففة فى قوله تعالى يصف المضلّل عن سبيله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها ؛ كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً)(٥).
(ح) أن خبرها لا بد أن يكون جملة إذا وقع اسمها ضمير شأن (٦). فإن كانت اسمية فلا حاجة لفاصل بينها وبين «كأن» مثل : كأن سّبّاح فى سباحته سمكة فى انسيابها. وإن كانت فعلية (٧) ، فالأحسن الفصل بالحرف : «قد» قبل الماضى المثبت ، وبالحرف : «لم» قبل المضارع المنفى ، نحو : كأن قد هوى الغريق فى البحر ؛ كصخرة هوت فى الماء ، وكأن لم يكن بين الغرق والنجاة وسيلة للإنقاذ.
__________________
(١) فاسم «كأن» ضمير الحال والشأن المحذوف. وخبرها الجملة الاسمية بعدها. ولا يصح هنا أن يكون اسمها ضميرا لغير الحال والشأن ؛ لعدم وجود مرجع سابق يعود عليه.
(٢) ما جمد من قطرات المطر ، وصار قطعا ثلجية صغيرة.
(٣) فاسم «كأن» ضمير محذوف ليس ضمير شأن ، لعدم وجود جملة بعده تفسره ، وهى جملة لازمة له كما سبق فى شرحه ـ ص ٢٢٦ وما بعدها ـ.
(٤) أى : يجوز اعتبار الضمير للشأن ؛ لوجود جملة بعده تفسره ، وعدم اعتباره للشأن ، لوجود ما يصلح قبله أن يكون مرجعا له.
(٥) الوقر هنا : ثقل السمع ، أو : الصمم. وأول الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَيَتَّخِذَها هُزُواً ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا ...)
(٦) لأن ضمير الشأن ـ كما قلنا ـ لا بد له من جملة بعده تفسره. وهذه الحالة وحدها هى التى يجب فيها وقوع خبر : «كأن» المخففة جملة. أما باقى الحالات فيجوز أن يكون جملة أو غير جملة وفى بعض أمثلة قليلة مسموعة جاء اسم «كأن» المخففة اسما ظاهرا ، كقول الشاعر :
وصدر مشرق النّحر |
|
كأن ثدييه حقّان |
ولا يقاس على هذا.
(٧) فعلها غير جامد ، وغير دعائى.