__________________
ـ خبر «إن» مع مجىء الرفع فى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ، وَالَّذِينَ هادُوا ، «وَالصَّابِئُونَ ، وَالنَّصارى ـ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ...؟) فكلمة الصابئون : وقعت بعد العاطف وقبل خبر «إن» وهو : «من آمن» واسم «إن» هو كلمة : «الذين» ومثلها قراءة من قرأ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...) برفع كلمة «ملائكة» بعد العاطف وقبل خبر «إن» وكذلك قول الشاعر :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّى وقيّار بها لغريب |
فكلمة «قيار» (وهى اسم حصان الشاعر) مرفوعة بعد العاطف وقبل خبر «إن». وغير هذا من الشواهد المتعددة. كيف يقبلون أن تؤول الآية لتطابق القاعدة ولا يتصرفوا فى القاعدة تصرفا صريحا يساير الآية ، مع اعتقادهم أن القرآن أفصح كلام عربى وأعلاه؟ ولم التمحل فى الأمثلة العربية الأخرى ـ وهى كثيرة ـ وترك القاعدة بغير إصلاح؟ وهل يصير الأسلوب الفاسد صالحا بمجرد التأويل والنية الخفية من غير تغيير يطرأ على ظاهره؟
ثم هم لا يبيحون التأويل إلا فى الأمثلة المسموعة التى تخالف قاعدتهم ، أما الأمثلة التى هى من كلام المحدثين ففاسدة ـ فى رأيهم ـ فسادا ذاتيا ؛ فلا يجوز قبولها ، ولا التماس التأويل فيها. وهم يؤولون المرفوع فى الأمثلة السالفة وأشباهها بما نعتبره حكما عاما غير مقصور على الوارد المسموع ، فيؤولون المرفوع فى الآية الأولى وفى البيت بأنه مبتدأ ـ خبره محذوف ، والجملة معترضة ـ بين اسم إن وخبرها ، لتقدم المبتدأ وخبره عن مكانهما ، وتوسطهما بين اسم «إن» وخبرها. فأصل الآية ـ عندهم : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ـ (وَالصَّابِئُونَ) كذلك ـ (من آمن منهم) ـ وأصل البيت : فإنى ـ وقيار غريب ـ لغريب ويفضلون أن تكون الجملة فى المثالين اعتراضية لا معطوفة ، فرارا من العطف قبل تمام الجملة المعطوف عليها ، إن جعل من عطف الجمل ، وفرارا من تقدم المعطوف على المعطوف عليه إن عطف المرفوع على الضمير المستتر فى الخبر فهم يؤولون البيت بتأويل الآية الأولى وحدها فيجعلون كلمة : «غريب» المشتملة على لام الابتداء خبر «إن» ولا يجعلونها خبرا لكلمة «قيار» لأن دخول لام الابتداء على خبر المبتدأ ضعيف. فخبره هنا محذوف ؛ والتقدير «وقيار غريب» أو «وقيار مثلى» والجملة منهما اعتراضية.
أما فى الآية الثانية فيلتمسون تأويلا آخر ، فيجعلون خبر «إن» هو المحذوف ، ويجعلون الاسم المرفوع مبتدأ خبره المذكور بعده ، والتقدير عندهم : إن الله يصلى على النبى ، وملائكته يصلون على النبى ، إذ لا يصلح فى هذه الآية التقدير الأول الذى صلح لسابقتها ، لما يترتب عليه من أن يكون التقدير ؛ إن الله يصلون على النبى ؛ فتختل المطابقة اللفظية بين اسم «إن» وخبرها ، وهى لازمة كما قلنا ، فإن لم يوجد ما يعين أحد التأويلين فهما ـ عندهم ـ جائزان.
كل هذا عناء لا مسوغ لاحتماله ، يريحنا منه الأخذ بالرأى الذى يبيح الأمرين الرفع والنصب بالتوجيه الذى شرحناه ، فوق ما فيه من راحة أخرى ؛ إذ يجعل القاعدة واحدة مطردة ؛ فيسوى بين العطف بعد مجىء خبر «إن» وقبل مجيئه.
على أننا نقول : حسب الناس فى المسألة السابقة أن يحاكوا أساليب القرآن ، والكلام العربى الفصيح ، فلا نرهقهم بالتأويلات المختلفة وفهمها. ومن شاء أن يؤول كلامهم بعد قبوله كما أؤل القرآن ، فليفعل.
وعلى ضوء ما سبق يمكن الوصول إلى حكمين :
أولهما : فساد التركيب فى مثل : «إن محمدا وإن عليا منطلقان ؛ لاشتماله على خبر واحد لمتعاطفين ، تكررت فيهما «إن» فيكون معمولا لعاملين مختلفين ، هما : «إن» الأولى و «إن» الثانية ـ