البيت ما دام المطر منهمرا» لا يصح أن يقال : (سأبقى فى البيت منهمرا ما دام المطر) ؛ لأن «ما» المصدرية الظرفية لا يصح أن يتقدم عليها شىء من الجملة التى بعدها (وهى الجملة التى تقع صلة لها) لكن يجوز أن يتقدم الخبر على «دام» وحدها فيتوسط بينها وبين «ما» المذكورة (١) ؛ ففى المثال السابق يصح أن نقول : سأبقى فى البيت ما منهمرا دام المطر. وفى مثل ؛ اقرأ فى الكتاب ما دامت النفس راغبة ؛ لا يصح أن نقول : اقرأ فى الكتاب راغبة ما دامت النفس ، ويصح أن نقول ، اقرأ فى الكتاب ما راغبة دامت النفس ... وهكذا (٢).
وأما «ليس» فتنطبق عليها جميع الأحوال والأحكام السابقة أيضا (٣) إلا حالة واحدة وقع فيها الخلاف بين النحاة وهى الحالة التى يتقدم فيها الخبر عليها ؛ ففريق منع ، وفريق أجاز (٤) والاقتصار على المنع أولى.
__________________
(١) فى ص ٣٧٠ وفى رقم ١ من هامش ص ٥١٥ و... أنه لا يجوز الفصل بالخبر ـ أو بغيره ـ بين أن المصدرية والفعل الذى تنصبه ؛ فى حين يجوز الفصل به بين «ما المصدرية الظرفية» والفعل الذى دخلت عليه ؛ (طبقا لما سلف فى ٣٤١) مع أن كل واحد منهما حرف مصدرى لا يجوز أن يسبقه شىء من الجملة التى يدخل عليها ـ وهى الجملة التى يسبك معها بمصدر.
هذا وبينهما فرق من جهة أخرى : فأن المصدرية تنصب المضارع ؛ فلا يجوز الفصل بينهما بالخبر أو بغيره ، محاكاة للوارد الفصيح من كلام العرب وما المصدرية لا تنصبه إن دخلت عليه ؛ فيجوز الفصل بينهما بالخبر.
(٢) إلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله :
وفى جميعها توسّط الخبر |
|
أجز ، وكلّ سبقه دام حظر |
كذاك سبق خبر : «ما» النّافيه |
|
فجئ بها متلوّة لا تاليه |
يريد : أن جميع النواسخ السابقة يجوز فيها توسط الخبر بين الناسخ واسمه. ولم يذكر شروط ذلك ، ولا تفصيله. ثم قال : إن كل النحاة حظر (أى : منع) سبق خبر «دام» عليها ، ولم يبين أهذا المنع خاص بتقديمه عليها وحدها دون «ما» المصدرية الظرفية التى تسبقها ، أم بتقديمه عليهما معا؟ وقد أسلفنا أن الممنوع هو تقديمه عليهما معا. أما توسطه بينهما فليس بممنوع. ثم قال : كذلك منع كل النحاة سبق الخبر وتقدمه على «ما» النافية ؛ لأن لها الصدارة فى جملتها ؛ فلا يسبقها شىء منها. ويجب أن تكون متلوة ؛ أى : سابقة ، يتلوها غيرها ، ويجىء بعدها. ولا يصح أن تكون تالية غيرها ، ولا أن تجىء بعده.
(٣) بشرط ألا تكون للاستثناء ؛ فإن كانت للاستثناء لم يجز تقديم خبرها عليها اتفاقا. ومثلها : «لا يكون» الناسخة الاستثنائية. ـ كما سبق فى رقم ٤ من هامش ص ٥١٦.
(٤) حجة الفريق الأولى أنه لم يرد على ألسنة العرب التقديم ؛ فلا يسوغ لنا مخالفتهم. وحجة الفريق الثانى أنه ورد تقديم معمول الخبر عليها فى الكلام الفصيح ، ومنه قوله تعالى عن عذاب الكفار : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ). فكلمة «يوم» ظرف للخبر : «مصروفا» فهذا الظرف المعمول للخبر قد تقدم على «ليس» ؛ فتقدمه يشعر بجواز تقدم الخبر!!
وهذا كلام غير مقبول بعد الاعتراف بأن الكلام العربى لم يرد به تقديم. ـ