وقد سبق بيان الأفعال الأخرى الناسحة التى يكثر استعمالها بمعنى : «صار» وبشروطها (وهى : كان ـ ظل ـ أصبح ـ أضحى ـ أمسى).
ليس : تفيد مع معموليها نفى اتصاف اسمها بمعنى خبرها فى الزمن الحالىّ (١) نحو : ليس القطار مقبلا. فالمراد نفى القدوم عن القطار الآن. ولا تكون للنفى فى الزمن الحالى إلا عند الإطلاق ، أى : عند عدم وجود قرينة تدل على أن النفى واقع فى الزمن الماضى ، أو فى المستقبل : فإن وجدت قرينة تدل على أنه واقع فى أحدهما وجب الأخذ بها ؛ نحو : ليس الغريب مسافرا أمس ، أو : ليس سافر (٢) الغريب ، أو : زرعت الحقول ليس حقلا ... (٣) فوجود كلمة : «أمس» ، أو. وجود الفعل الماضى (٤) بعدها ، أو قبلها ـ دليل على أن النفى للماضى ... أما فى نحو : ليس الغريب مسافرا غدا ، أو قوله تعالى فى عذاب الكافرين يوم القيامة : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ،) فيكون النفى متجها للمستقبل ؛ لوجود قرينة لفظية فى المثال ؛ وهى كلمة : «غد» الدالة عليه ولوجود قرينة عقلية فى الآية تدل عليه أيضا ، هى : أن يوم القيامة لم يأت حتى الآن. وقد يكون المراد منها نفى الحكم نفيا مجردا من الزمن ؛ كقول العرب : ليس لكذوب مروءة ، ولا لحسود راحة ، ولا لسيئ الخلق سؤدد.
__________________
(١) الحال ، هو زمن الكلام. وبالرغم من أنها لنفى الحال كثيرا ـ وقد تكون لنفى الزمن الماضى أو المستقبل بقرينة ـ فإنها عند الإعراب تعرب فعلا ماضيا فى كل أحوالها ، وكذلك لو كانت للنفى المجرد من الزمن.
(٢) هذا الأسلوب غير شائع فى الكلام القديم ، فلا داعى لمحاكاته ، والفعل والفاعل فيه ، فى محل نصب خبر «ليس» ، واسمها ضمير الشأن محذوف ـ وقد سبق هذا عند الكلام على ضمير الشأن ؛ ص ٢٣٠ ـ وقلنا الأحسن فى هذا الأسلوب ونظائره مما يقع فيه فعل بعد «ليس» مباشرة أن تكون هى حرف نفى مهمل (أى لا يعمل ؛ فليس له اسم ، ولا خبر) وهذا الإعراب أيسر وأنسب لمثل هذه الصيغة ؛ لأن وقوع الفعل تاليا الفعل الذى من نوعه قليل فى الكلام الفصيح إذا كان التالى لغير توكيد لفظى. وإهمالها فى هذه الصورة يوافق لغة تميم التى تهملها فى كل الأحوال ، وبلغتهم : «ليس الطيب إلا المسك». ولكن لا يحسن الأخذ اليوم برأى تميم ، إلا فى الصورة التى أشرنا إليها.
ويرى القرطبى : (فى مقدمة تفسيره فى باب الرد على من طعن فى القرآن ، ص ٧٠) أن التركيب السابق ضعيف ؛ لأن «ليس» لا تنفى الماضى ، والوارد منه هو قولهم : «أليس قد خلق الله مثلهم» ، بدخولها على الماضى المقرون بقد ، و «قد» تقربه من الحال.
(٣) «ليس فى هذا المثال فعل من أفعال الاستثناء ، كما سيجىء فى بابه ج ٢.
(٤) ويفهم من هذا صحة وقوع الفعل الماضى فى خبرها. ولكنه قليل ـ كما سلف فى رقم ٢ ـ ويستحسن أن يكون هذا الماضى مقرونا لتقربه من الحال ، كما سبق فى رقم ٣ من هامش ص ٤٩٧ ، أما الاعتراض. بأن : «ليس» لنفى الزمن الحالى ، فيلزم من الإخبار عنها بالماضى تناقض ـ فقد أجاب «النحاة» عنه بأنها تكون لنفى الحال فى الجملة غير المقيدة بزمان ، أما المقيدة به فنفيها على حسب القيد.