هذا ، وتتلخص جميع مواضع حذف الخبر ـ التى سبقت ـ فى العلم بالمحذوف لوجود ما يدل عليه ، أو ما يغنى عنه فى المعنى لا فى الإعراب.
٥ ـ حذفه من بعض أساليب مسموعة عن العرب ؛ منها : حسبك ينم الناس (١).
__________________
ـ وأن هذا الظرف مضاف إلى جملة فعلية بعده ، وهو والجملة محذوفان وجوبا ؛ لدلالة الحال على ذلك المحذوف وسدها مسد الخبر ؛ فلا حاجة لذكره معها. ولا يقبلون أن يكون الظرف بمتعلقه هو الخبر مع وجود الحال ولا يقبلون شيئا يكون هو الخبر بل يحتمون أن تقوم الحال مقام الخبر المحذوف وتغنى عن ذكره ؛ زاعمين أنه لو كان فى الجملة خبر أصيل واقتصرت الحال على إعرابها حالا مجردة ليست قائمة مقام الخبر لترتب على هذا أن يفصل الخبر بين هذه الحال وعاملها المبتدأ المصدر ، والفصل بين المصدر وعامله بأجنبى ـ وهو هنا الخبر ـ ممنوع عندهم ، ويضمون إلى هذا أدلة جدلية وهمية نرى الخير فى إهمالها وفى إعراب الظرف المحذوف بمتعلقه هو الخبر مباشرة ، أو الخبر لفظ آخر محذوف يناسب السياق وتدل عليه القرينة مع إعراب الحال المذكورة حالا أصيلة لا تسد مسد الخبر ولا غيره. وهذا رأى كثير من الكوفيين وبعض البصريين كالمبرد ؛ فقد جاء فى كتابه «الكامل» (ج ٢ ص ٧٨) حين قال الفرزدق لآخر : «حكمك مسمّطا» ـ وهذه الجملة ، كما يقول النحاة من الأمثلة التى وقعت فيها الحال سادة مسد الخبر سماعا ، لأن هذه الحال صالحة لوقوعها خبرا ـ ما نصه :
«إعرابه أنه أراد : لك حكمك مسمطا» واستعمل هذا فكثر حتى حذف ـ أى : الخبر ، وهو لك ـ استخفافا ، (أى : للخفة) لعلم السامع بما يريد القائل ؛ كقولك : الهلال والله. أى : هذا الهلال. وأغنى عن قوله : «هذا» ـ القصد والإشارة. وكان يقال لرؤبة : كيف أصبحت؟ ويقول : خير عافاك. الله. فلم يضمر حرف الخفض ولكنه حذف لكثرة الاستعمال. والمسمط : المرسل غير المردود ...) اه ... فنرى من هذا أنه قدر الخبر المحذوف لكثرة الاستعمال جارا ومجرورا ، ولم يجعل الحال سادة مسده ولعل هذا الرأى هو الأفضل ، ليسره ووضوحه وخلوه من التكلف والتعقيد ، ولا مانع من قبول ما ارتضوه على أن يكون رأيهم فى المنزلة الثانية بعد الرأى الذى عرضناه.
ومن تكلفهم وتعقيدهم أنهم يوجبون أن يكون صاحب الحال هو الضمير فاعل الفعل المحذوف (كان التامة ، أو ما يماثلها) وهذا الضمير عائد على معمول المصدر. فلم لا يكون صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة بدلا من الضمير العائد على المعمول (الذى هو كلمة : النشيد ـ الرجل ـ الدواء .. فى الأمثلة السالفة وأشباهها)؟ يمنعون هذا الإعراب السهل الواضح بحجة أضعف مما سبق ، فيقولون : لو كان صاحب الحال هو المعمول للمصدر مباشرة لأدى ذلك إلى أن تجىء الحال فى ترتيبها المكانى بعد ذلك المعمول ؛ ان يكون المصدر متقدما ، يليه معموله ، وبعدهما الحال ؛ لأن الثلاثة كتلة متماسكة ، تلتزم الترتيب السابق ، ولا يفصل بينها فاصل ، وهذا الترتيب والتماسك يوجبان ـ عندهم ـ أن يجىء الخبر بعدها جميع ... فكيف تسد الحال مسد خبر ذكرت قبله ، ولم يحذف قبل مجيئها ليخلى مكانه لها فتحل به؟ يتعللون بهذا مع أن الضمير ومرجعه بمثابة شىء واحد.
ذلك بعض جدلهم بإيجاز كبير ، وهو نوع من الجدل الذى يضيع فيه الوقت والجهد بغير طائل. وقد حل وقت نبذه. ومن شاء أن يلم به فليرجع إلى المطولات التى اشتملت عليه كالهمع (ج ١ ص ١٠٤) ولا علينا أن نعرب الحال فى الأمثلة السالفة ونظائرها «حالا» مستقلة بنفسها ليست قائمة مقام الخبر ، ـ كما قلنا ـ وأن الخبر هو الظرف بمتعلقه أو : هو لفظ غير الظرف يصلح خبرا ، وقد حذف للعلم به ، وأن صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة ، وليس الضمير العائد على ذلك المعمول. ولا داعى لبذل الجهد الضائع فى إخضاع كلام عربى بليغ لضوابط لا تنطبق عليه ؛ ولسيطرة «العامل» فيما لا نفع فيه ، على حين يجب أن تخضع الضوابط والعوامل لفصيح الكلام العربى المسموع عنهم فى هذا الأسلوب.
(١) أصل الكلام ، حسبك السكوت ينم الناس. (ومعنى حسبك : «كافيك» ، فتكون اسما ـ