فى تكوين الجملة (١).
__________________
(١) تقضى تلك الأصول بأن الجملة الواحدة لا يصح أن تجمع فى وقت واحد بين صيغتين مختلفتين لخطاب اثنين مختلفين ؛ كأن تكون إحدى الصيغتين فعل أمر ، أو ما ينوب عنه ، والخطاب فيها متجها لشىء ، وتكون الصيغة الأخرى مخالفة للأولى فى لفظها وفى المخاطب الذى تتجه إليه. فلو تعلق الجار والمجرور بالمصدر لفسد المعنى ؛ لأن المصدر فى مثل : «سقيا» نائب عن فعل الأمر : «اسق» ـ وله فاعل كفعل الأمر ، وفاعله مستتر فيه تقديره : «أنت» ويصح أن يقال : أنه محذوف تقديره : «أنت» طبقا للبيان الذى سنذكره بعد ؛ فهو يتضمن كفعله مخاطبة «الله» بالدعاء ، فى الوقت الذى يتضمن فيه الضمير المجرور مخاطبة شىء آخر تدعو الله له ، وبهذا تشتمل الجملة الواحدة على الخطابين اللذين لا يجتمعان ؛ لأن اجتماعهما يفسد المعنى (إذ يكون التقدير : اسق يا ألله لك. فيؤدى هذا إلى أن : الله منه السقى ، وله السقى ، والشطر الثانى فاسد) ولهذا قالوا ـ بحق ـ : إن «سقيالك» وما هو على نمطها ليس جملة واحدة ، وإنما هو جملتان ؛ إحداهما : «سقيا» ؛ فكلمة : «سقيا» مصدر نائب عن فعل الأمر ويعرب مفعولا مطلقا منصوبا ، وفاعله مستتر فيه أو محذوف ـ كما تقدم ، وكما يجىء ـ وتقديره فى الحالتين : «أنت» والأخرى : «لك». فالجار : مع مجروره خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره : الدعاء ... وأصل الجملة الثانية : الدعاء لك ؛ وأصل الكلام كله : سقيا (بمعنى : اسق يا ألله) الدعاء لك أيها المخاطب الذى أدعو الله لك.
ومما يستحق التنويه أن الضمير الواقع بعد ذلك المصدر (وهو ضمير الخطاب المجرور) له اتصال معنوى بالجملة الأولى ، مع أنه فى جملة بعدها مستقلة عنها فى الإعراب ، وسبب ذلك الاتصال المعنوى : أنه قد يكون هو المقصود من الأولى ، والذى ينصبّ عليه ما فيها من دعاء أو غيره ؛ فكأنه من جهة المعنى ـ لا من جهة الإعراب ـ مفعول به. فمعنى «سقيا لك». اسق يا رب فلانا ... فمن فلان هذا؟ أين هو فى الكلام؟ لا يتحقق إلا فى المخاطب الواقع بعد اللام. فظاهره أنه مجرور باللام ، ولكنه فى حقيقته المعنوية بمنزلة المفعول به ؛ مع أنه لا يعرب مفعولا به ؛ إذ لا بد من اعتبار الكلام جملتين عند الإعراب ـ كما أوضحنا ـ.
كذلك : «رعيا لك» معناها : ارع يا رب فلانا. فمن فلان؟ أين هو فى الكلام؟ لا وجود له من حيث المعنى إلا فى الضمير المخاطب بعد اللام ؛ فظاهره أنه مجرور بها ، ولكنه فى حقيقته المعنوية بمنزلة المفعول به ، مع أنه لا يعرب مفعولا ... إذ لا بد من اعتبار الكلام جملتين عند إعرابه ، كما سبق ... وفى بعض الأساليب الأخرى قد يكون ذلك الضمير المجرور بمنزلة الفاعل من جهة المعنى مع أنه لا يصح إعرابه فاعلا ؛ نحو : «بؤسا لك» أيها العدو ، أو :. «سحقا لك» ، أو : «بعدا لك».
تخاطب عدوا ، أو من يخون أمانته ، مثلا ... وتدعو عليه. وأصل الكلام : «أبؤس» ؛ فى الدعاء عليه بالبؤس ؛ ـ وهو : المرض والفقر ـ. و «اسحق» ؛ فى الدعاء عليه بالسّحق ، وهو : الهلاك.
وابعد ، فى الدعاء عليه بالبعد : وهو ؛ الهلاك أيضا. فكأنك تقول بؤست ، وسحقت وبعدت ، أى : صرت بائسا ، ساحقا ، باعدا ؛ فالضمير المجرور بعد اللام هو الذى حل محل الفاعل فى المعنى لا فى الإعراب وصار مؤدبا معناه. غير أنه فى مثل هذه التراكيب التى يكون فيها الضمير المجرور فاعلا فى المعنى لا يكون التركيب مشتملا على خطابين لمخاطبين مختلفين ، وإنما يكون مشتملا على خطابين بلفظين مختلفين ، ـ