الفعلية ... (١) وصار المصدر مرفوعا بعد أن كان منصوبا ؛ ليكون خبرا لمبتدأ محذوف ؛ فتنشأ جملة اسمية تؤدى المعنى الأول تأدية أقوى وأبرع من السابقة (٢). ومن الأمثلة أن يقول السباح وقد قطع أميالا : «سباحة شاقة» أى : سباحتى سباحة شاقة. وهذه الجملة فى معنى : أسبح سباحة شاقة. فكلمة : «سباحة» مصدر منصوب ، لأنه مفعول مطلق للفعل : «أسبح» ، ثم حذف الفعل وجوبا ؛ استغناء عنه بوجود المصدر الذى يؤدى معناه ؛ ثم رفع المصدر ليكون خبرا لمبتدأ محذوف ؛ فتنشأ جملة اسمية جديدة ، تكون أقوى وأبرع فى تأدية المعنى من الجملة الفعلية الأولى.
ومن الأمثلة أيضا أن يقول السعيد : شكر كثير. حمد وافر ... وأن يقول المريض أو المكدود : صبر جميل ـ. أمل طيب ... وأن يقول الولد لوالده الذى يطلب شيئا : سمع وطاعة ... أى : أمرى وحالى سمع وطاعة (٣).
__________________
(١) قلنا «فى معنى جملة أخرى» ، لنفر من قول القائلين : إن أصل الكلام «أعمل عملا لذيذا» ثم تناولوا هذا الأصل بالحذف والزيادة والتأويل ... مما لم يعرفه العرب ، ولم يخطر ببالهم. فلكى يكون الكلام صادقا صائبا معا قلنا : فى معنى جملة أخرى.
(٢) لأن هذه جملة اسمية ؛ والجملة الأسمية تفيد الثبوت والدوام. بخلاف الأولى.
(٣) إنما يكون المحذوف وجوبا هو المبتدأ حين يكون المقصود هو قيام المصدر مقام فعله نهائيا على الوجه السالف. ووجود قرينة تدل على هذا. فإن لم يكن المقصود ما سبق نحو : صبر جميل ، وأمل طيب ، وباقى الأمثلة الأخرى ـ تغير الحكم فجاز أن يكون المحذوف هو المبتدأ ؛ أى : صبرى صبر جميل ... وأن يكون المحذوف هو الخبر ؛ أى : صبر جميل أحسن من غيره ، أو أنسب لى ، أو أليق بك ... وإذا جاز فى المحذوف أن يكون هو المبتدأ أو الخبر فأيهما أولى بالذكر؟ أطال النحاة من غير داع ؛ والأولى بهذا أو ذاك ما له سبب لذكره ، أو لحذفه.