زيادة وتفصيل :
(ا) قلنا إن مسوغات الابتداء بالنكرة كثيرة ؛ أوصلها النحاة إلى أربعين ، بل أكثر. وبالرغم من كثرتها بقيت نكرات أخرى قد تعرب مبتدأ ، مع أنها لا تدخل تحت مسوغ مما ذكروه ؛ نحو : «مذ» و «منذ» فهما نكرتان فى اللفظ ؛ فى نحو : ما رأيته «مذ» أو «منذ» يومان ، وإن كان بعض النحاة يعتبرهما معرفتين معنى ؛ إذ المعنى : أمد انقطاع الرؤية يومان مثلا (١) ..
على أن تلك الكثرة من المسوغات قد فتحت الباب أمام كل نكرة لتدخل منه إلى الابتداء ، حتى صار من العسير الحكم على نكرة ، أىّ نكرة ، بأنها لا تصلح أن تكون مبتدأ. كما صار الرأى القائل : «إن المبتدأ لا يكون نكرة إلا إن أفادت» ـ رأيا لا جديد فيه ؛ لدخوله تحت أصل لغوى عام : هو : «ما يستحدث معنى أو يزيد فى غيره لا يطعن فى وجوده ، ولا يستغنى عنه ، وما لا فائدة منه لا خير فى ذكره».
وتأييدا لكلامنا وتوفية للبحث ـ نذكر أهم تلك المسوغات ؛ ليؤمن المتردد أنها أبواب مفتوحة تتسرب منها النكرات كلها إلى الابتداء. وقد سبق منها أحدى عشر. وفيما يلى الباقى مع الاقتصار على ما يغنى عن غيره ، وما يمكن إدماج غيره فيه. (٢)
١٢ ـ أن تكون النكرة عاملة ؛ سواء أكانت مصدرا ؛ نحو : إطعام مسكينا طاعة ، أم وصفا عاملا (٣) ، نحو : متقن عمله يشتهر اسمه. ومن العمل أن تكون مضافة ؛ لأن المضاف يعمل الجر فى المضاف إليه ؛ مثل : كلمة خير تأسر النفس ...
١٣ ـ أن تكون النكرة أداة شرط ؛ نحو ؛ من يعمل خيرا يجد خيرا.
__________________
(١) راجع الخضرى عند الكلام على الموضع الرابع من مواضع تأخير الخبر. وستجىء لهذا إشارة فى ص ٤٥٣ و ٤٥٧ وفى رقم من ص ٤٦٠ ـ وكذلك فى ج ٢ ص ٣٧٧ و ٣٩٧.
(٢) ومن شاء مزيدا فليرجع إلى حاشيتى الصبان والخضرى ، وإلى الهمع ...
(٣) عند من يقول بأنه يعمل بغير أن يسبقه نفى أو استفهام. أما من يشترط للعمل تقدم النفى أو الاستفهام فإن وجود أحدهما مسوغ للابتداء بالنكرة.