غنى» (١). فالجملة الواقعة خبرا مطابقة فى معناها للمبتدأ فى معناه ومدلوله ؛ فكلاهما مساو للآخر فى المضمون ؛ فالرأى هو : «التجارة غنى» و «التجارة غنى» هى : «الرأى». ومن أمثلة ذلك : أن يتكلم متكلم فيسأله الآخر ما ذا تقول؟ فيجيب : قولى «الذليل مهين» (٢). كلامى «الكرامة تأبى المهانة» فجملة الخبر فى كل مثال هى نفس المبتدأ السابق فى المعنى ، والمبتدأ السابق فى كل مثال يتضمن معنى الجملة الواقعة خبرا ، فكلاهما يتضمن معنى الآخر ، ودلالته (٣).
__________________
(١ ، ١) سيجىء فى الزيادة والتفصيل طريقة إعراب هذا المثال وأشباهه. («ب» من ٤٢٨).
(٢) يشير ابن مالك إلى تقسيم الخبر إلى مفرد وجملة ؛ فيقول :
ومفردا يأتى ، ويأتى جمله |
|
حاوية معنى الّذى سيقت له |
وإن تكن إيّاه معنى اكتفى |
|
بها ؛ كنطقى : الله حسبى ، وكفى |
أى : أن الخبر قد يكون مفردا ، وقد يكون جملة. ويشترط فى الجملة أن تكون حاوية معنى المبتدأ الذى سيقت لإتمام الفائدة معه. أى : تكون مشتملة على معناه ... ويتحقق هذا الشرط بالربط بينهما بالضمير ، أو ما يخلفه. فإن كانت الجملة هى المبتدأ فى المعنى (بالطريقة التى شرحناها) اكتفى بها من غير رابط ؛ مثل : (نطقى ؛ الله حسبى) فالمبتدأ يتضمن معنى الخبر الجملة ـ والخبر الجملة يتحد فى المعنى مع المبتدأ. وفى مثل هذه الصورة يصح الاستغناء عن الرابط.
(وكلمة : «معنى» فى بيت ابن مالك منصوبة على أنها : تمييز أى : من جهة المعنى. وكلمة : «كفى» المراد منها : وكفى به ؛ أى : بالله. حذف الجر الزائد وحده وهو «الباء» فانفصل الضمير الذى كان مجرورا فى محل رفع ، ثم استتر مرفوعا فى الفعل «كفى» ، وصار تقديره : هو.) ثم قال :
والمفرد الجامد فارغ ، وإن |
|
يشتقّ فهو ذو ضمير مستكن |
أى : أن الخبر المفرد نوعان ؛ فالجامد منه فارغ من الضمير ، والمشتق ليس بفارغ ؛ بل فيه ضمير مستكن ؛ أى : مستتر. ثم قال :
وأبرزنه مطلقا حيث تلا |
|
ما ليس معناه له محصّلا |
أى : أبرز الضمير الرابط مطلقا (سواء أمن اللبس أم لم يؤمن. وهذا مذهب البصريين) إن وقع الخبر بعد مبتدأ ليس معنى الخبر محصلا له ؛ بأن يكون الخبر جاريا على غير من هو له. فالمراد من كلمة : «ما» المبتدأ. والضمير فى : «معناه» يعود على الخبر. أى : أبرز الضمير مطلقا حيث يقع الخبر بعد مبتدأ لا يكون هذا الخبر محصّلا له. أى : لا يكون حاويا لمعناه ، ولا جاريا عليه.
ومذهب البصريين فيه تضييق من غير داع ؛ حيث يوجب إبراز الضمير مطلقا ، مع أنه لا داعى لوجوب الإبراز عند أمن اللبس.