المسألة ٣٢ :
العلم بالغلبة (١)
المعارف متفاوتة فى درجة التعريف ـ كما سبق (٢) ـ ؛ فبعضها أقوى من بعض وعلم الشخص أقوى من المعرف «بأل» العهدية ، وأقوى من المضاف لمعرفة. غير أن كل واحد من هذين قد يصل فى قوة التعريف إلى درجة علم الشخص ، ويصير مثله فى الأحكام الخاصة به ، ولبيان ذلك نقول :
إن كلّا من المعرف «بأل» العهدية والمضاف قد يكون ذا أفراد متعددة ؛ فالكتاب ـ مثلا ـ ينطبق على عشرات ، ومئات وألوف من الكتب (٣) ، وكذلك النجم ، والمنزل ، والقلم ... وكتاب سعد ، يصدق على كل كتاب من كتبه المتعددة ، ومثله : قلم عمرو ، وثوب عثمان ...
غير أن فردا واحدا من أفراد المعرف «بأل» أو المضاف قد يشتهر اشتهارا بالغا دون غيره من باقى الأفراد ؛ فلا يخطر على البال سواه عند الذكر ؛ بسبب شهرته التى غطت على الأفراد الأخرى ، وحجبت الذهن عنها. ومن أمثلة ذلك : المصحف ، الرسول ، السّنّة ، ابن عباس (٤) ، ابن عمر ، ابن مسعود ؛ فالمراد اليوم من المصحف : كتاب الله وقرآنه الكريم ... ومن الرسول : النبى محمد
__________________
(١) هو أن يغلب معنى اللفظ عند إطلاقه على فرد من مدلولاته ، دون ياقى الأفراد ؛ بسبب شهرة الأول ، كما سنشرحه. وهو يعد من ناحية التعريف فى درجة العلم الشخصى ، كما فى الصفحة التالية ، وكما سبق فى رقم ٢ من هامش ص ٢٦٣.
(٢) فى رقم ٣ من هامش ص ١٩١.
(٣) المراد من «أل» العهدية هذه أنها كانت عهدية بحسب أصلها قبل أن تكون للغلبة ، أما بعد أن تصير للغلبة فزائدة لازمة. وقد يقال : إن : «أل» العهدية أداة تعريف فكيف يكون مدلولها متعددا حين تكون للعهد؟ أجاب النحاة : (إن «أل» العهدية تدخل على كل فرد عهد بين المتخاطبين على البدل ـ أى : على التبادل ـ فمصحوبها كل فرد بينهما على البدل ، فمثلا لفظ «العقبة» المعرف بأل العهدية وضع فى الأصل ليستعمل فى كل فرد عهد بينهما على البدل فخصصته الغلبة بعقبة : «أيله» ـ وهى على الحدود الشرقية لمصر ـ) راجع الصبان فى هذا.
(٤) كانت كلمة : «ابن» فى هذه الأمثلة وأشباهها ، معرفة ؛ لأنها مضافة إلى معرفة. ولكن العلم بالغلبة (الشهرة) هو مجموع الكلمتين المضاف والمضاف إليه معا ، وصار تعريفه بالعلمية الغالبة ، ـ كما سيجىء فى رقم ٣ من هامش الصفحة التالية ـ وزال التعريف السابق.