كقولهم : عند استعظام شىء وتهويله : «بعد اللّتيا (١) والّتى ، يريدون بعد اللتيا كلّفتنا ما لا نطيق ، والتى حملتنا مالا نقدر عليه ـ أدركنا ما نريد.
مما تقدم نعلم أن حذف الصلة فى غير الأساليب المسموعة جائز عند وجود قرينة لفظية ، أو معنوية ؛ سواء أكانت الموصولات متعددة ، أم غير متعددة بشرط ألا يكون الباقى بعد حذفها صالحا لأن يكون صلة.
٣ ـ يجوز حذف الموصول الاسمى غير «أل» إذا كان معطوفا على مثله ، بشرط ألا يوقع حذفه ـ فى لبس ؛ كقول زعيم عربىّ : «أيها العرب ، نحن نعلم ما تفيض به صدور أعدائنا ؛ من حقد علينا ، وبغض لنا ، وأن فريقا منهم يدبر المؤامرات سرّا ، وفريقا يملأ الحواضر إرجافا (٢) ، وفريقا يعد العدة للهجوم علينا ، وإشعال الحرب فى بلادنا ، ألا فليعلموا أن من يدبّر المؤامرات ، ويطلق الإشاعات. ويحشد الجيوش للقتال ـ كمن يطرق حديدا باردا. بل كمن يضرب رأسه فى صخرة عاتية ، ليحطمها ؛ فلن : يخدشها وسيحطم رأسه».
فالمعنى يقتضى تقدير أسماء موصولة ـ محذوفة ـ ؛ وإلا فسد ؛ فهو يريد أن يقول : من يدبّر المؤمرات ، ومن يطلق الإشاعات ، ومن يحشد الجيوش ... ذلك لأنهم طوائف متعددة ، ولن يظهر التعدد إلا بتقدير «من». ولولاها لأوهم الكلام أن تلك الأمور كلها منسوبة لفريق واحد ؛ وهى نسبة فاسدة. ولهذا يجب عند الإعراب مراعاة ذلك المحذوف ، كأنه مذكور ، ومثله قول حسان فى أعداء الرسول عليه السّلام :
فمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء |
فالتقدير ؛ من يهجو رسول الله ، ومن يمدحه : ومن ينصره سواء. ولو لا هذا التقدير لكان ظاهر الكلام أن الهجاء والمدح والنصر ـ كل أولئك من فريق واحد. ومن هذا قوله تعالى (٣) : (قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) ، أى : والذى أنزل إليكم ، لأن المنزل إلى المسلمين ليس هو المنزّل إلى غيرهم من أهل الكتاب.
__________________
(١) اللتيا (بضم اللام المشددة أو فتحها) تصغير : «التى» .. سماعا ....
(٢) هو : إذاعة الأخبار السيئة الكاذبة ليضطرب الناس ، ويثوروا.
(٣) على لسان المسلمين حين يخاطبون غيرهم من أهل الكتاب.