كذلك : صاح الغراب غاق (بغير تنوين) فالمراد أنه يصيح صياحا خاصّا ، فيه تنغيم ، أو حزن ، أو فزع ، أو إطالة ... أما بالتنوين فمعناه مجرد صياح.
فعدم التنوين فى الكلمات المبنية السابقة ـ وأشباهها ـ هو الدليل على أنك تريد شيئا واحدا معينا ، واضحا فى ذهنك ، معهودا لك ولمخاطبك ؛ سواء أكان ذلك الشىء شخصا أم غير شخص ، والتنوين هو الرمز الدال على أنك تريد شيئا غير معين بذاته ، وإنما هو مختلط بين نظائره المماثلة له ، ولا يتجه ذهنك إلى واحد منها دون غيره. ويسمون الكلمة التى من النوع الأول الخالى من التنوين : «معرفة» (١) ، لأن مدلولها معروف معين. والكلمة التى من النوع الثانى المنوّن : «نكرة» ؛ لأن معناها منكر ـ أى : شائع ـ غير معين وغير محدد. ويسمون التنوين الذى يدخلها : «تنوين التنكير» أى : التنوين الذى يدل فى الكلمة المبنية على الشيوع وعدم التعيين ؛ ولا يدخل إلا الأسماء المبنية. فهو : «العلامة التى تدل بوجودها على أن الكلمة المبنية نكرة ، وتدل بحذفها على أنها معرفة».
(د) قسم لا تتغير حركة آخره ولا يدخله التنوين ؛ مثل : هؤلاء ... حيث ... كم ... تقول : جاء هؤلاء ، أبصرت هؤلاء ، انتفعت بهؤلاء ... (بالكسر فى كل الحالات ، بغير تنوين ، فهو مبنى ، وغير منون).
من التقسيم السابق نعلم أن بعض الأسماء معرب ، وبعضها مبنى ، وأن كل واحد منهما قد يكون منونا ، وقد يكون غير منون.
والقسم الأول : «ا» وحده هو الذى يجتمع فيه الإعراب والتنوين معا. والنحاة يقررون أن الأصل فى الأسماء أن تكون معربة (٢) ومنونة ، وأن الأصل فى الحروف وأكثر الأفعال أن تكون مبنية وغير منونة ؛ فكلما ابتعد الاسم عن
__________________
(١) وللمعرفة والنكرة وأنواعهما باب خاص يشمل كل أحكامهما ، وسيجىء قريبا (ص ١٨٦ م ١٧).
(٢) لأن استقراءهم للأسماء دلهم على غلبة الإعراب والتنوين فيها ، كما دلهم على أن الحروف كلها مبنية وغير منونة ، وأن الأفعال كلها غير منونة وأكثرها مبنى دائما ؛ فالماضى والأمر مبنيان دائما ، والمضارع يعرب فى حالات ، ويبنى فى غيرها.