وأما النوع الثانى وهو : «شبه الجملة» فى باب الموصول فثلاثة أشياء (١) : الظرف ـ والجار مع المجرور ـ والصفة (٢) الصريحة. ويشترط فى الظرف والجار مع المجرور أن يكونا تامّين ، أى : يحصل بالوصل بكل منهما فائدة (٣) ؛ تزيل إبهام الموصول ، وتوضح معناه من غير حاجة لذكر متعلقهما ؛ نحو : تكلم الذى
__________________
(١) كل واحد من هذه الثلاثة يسمى : شبه جملة ، ولا يسمى جملة. ـ وفى ص ٤٣١ وهامشها بيان واف بسبب التسمية ـ والأصل فى صلة الموصول أن تكون جملة ـ كما سبق فى ص ٣٣٧ ـ ؛ سواء أكانت فعليه أم اسمية ؛ لأن الجملة وحدها هى التى تزيل الإبهام ؛ فتحقق الغرض من الصلة. وليس واحد من الثلاثة التى تشبهها ـ بجملة حقيقية. ولهذا وجب فى الظرف وفى الجار مع مجروره إذا وقع أحدهما صلة أن يكون متعلقا بفعل محذوف ؛ ليكون الفعل مع فاعله الذى استقر فى شبه الجملة ـ بعد حذف الفعل ـ هما الصلة فى الحقيقة ؛ وإن كان الأيسر والأسهل اعتبارهما الصلة الملحوظة. أو الصلة بحسب الأصل ، مع اعتبار الظرف والجار مع مجروره الصلة بحسب الواقع الحالى. ولا ضرر فى هذا الاعتبار ما دامت الجملة الفعلية عند حذفها قد تركت اختصاصها لشبه الجملة بعدها ، فحمل الضمير الذى كان فيها ، وغيره مما قرره النحاة على الوجه الذى سردناه (فى ص ٤٣١). وعلى هذا يكون ما يدور على الألسنة اليوم عند الإعراب من أن الظرف ، أو الجار مع مجروره ، هو الصلة ، أمرا سائغا مقبولا ـ فوق أنه رأى لبعض القدامى أيضا ، يحمل طابع التيسير والاختصار. فإن وقع أحدهما خبرا ، أو نعتا ، أو حالا ، جاز تعلقه بمحذوف هو فعل ، أو اسم مشتق استقر مرفوعه فى شبه الجملة بعد حذف هذا المشتق ؛ فلا يتحتم تعلقه بفعل محذوف مع فاعله ؛ كما يتحتم فى الصلة وكما يتحتم فى القيسم الذى يحذف عامله ـ كما سنعرف ـ ويجوز التيسير والاختصار أيضا بجعل شبه الجملة نفسه هو الخبر ، أو النعت ، أو الحال أما الصفة الصريحة فهى اسم مشتق بمعنى الفعل ، وله مرفوع خاص به ، يجىء بعده ، كما أن الفعل كذلك. ولكن المراد بالصفة الصريحة هنا لا يشمل ـ كما سيجىء البيان فى ص ٣٤٩ ـ إلا نوعين من الأسماء المشتقة ؛ هما : اسم الفاعل مع مرفوعه ، واسم المفعول مع مرفوعه كذلك ؛ ؛ فكلاهما يشبه الفعل فى المعنى وفى الاحتياج إلى مرفوع بعده ، ولهذا سمى شبيها بالجملة. والنحاة يقولون : إن الصفة الصريحة مع مرفوعها لا تسمى شبيهه بالجملة إلا حين تقع صلة «أل». وبالرغم من أنها تسمى شبيهة بالجملة ـ هنا فقط ـ فإنها فى قوه الجملة معنى ، أى : من جهة المعنى ـ وهذا الرأى هو الذى رجحه الصبان ـ كما تكون فى قوة الجملة حين تقع خبرا. ويعدها بعض النحاة جملة حين تكون خبرا ، كما سيجىء فى باب المبتدأ ـ رقم ٥ من هامش ص ٤٠٤ ـ وهذه الصفة مع مرفوعها لا محل لها من الإعراب ـ على الصحيح ـ حين تكون صلة «أل» ؛ كما أن جملة الصلة لا محل لها من الإعراب. وعلى هذا ؛ إذا ذكر شبه الجملة فى غير باب الموصول لم ينصرف إلا للظرف ، والجار مع مجروره ، دون الصفة الصريحة.
(٢) سيجىء فى باب المبتدأ رقم ٥ من هامش ص ٤٠٤ أن بعض النحاة يعدها جملة ، كما أشرنا هنا فى رقم ١.
(٣) أوضح علامة تدل على وجود الفائدة المطلوبة من الظرف ومن الجار مع مجروره هى أن يفهم متعلقهما المحذوف بمجرد ذكرهما. ويتحقق هذا فى صورتين.
الأولى : أن يكون هذا المتعلق المحذوف شيئا يدل على مجرد الوجود العام ، والحضور المطلق دون زيادة معنى آخر. ويسمون هذا : «الاستقرار العام». أو «الكون العام» ومعناهما مجرد الوجود ففى نحو : (تكلم الذى عندك) لا يفيد الظرف : «عند» شيئا أكثر من الدلالة على وجود الشخص وجودا مطلقا ؛ من غير زيادة شىء آخر على هذا الوجود ؛ كالأكل ، أو الشرب ، أو القراءة ، أو غيرها. وهذا هو : «الاستقرار العام» أو الكون العام ، كما قلنا. ولا يحتاج فى فهمه إلى قرينة أو غيرها. ـ