ولهم فى اسم الجنس الجمعىّ ـ من ناحية أنه جمع تكسير ، أو أنه قسم مستقل بنفسه ـ آراء متضاربة ومجادلات عنيفة ؛ لا خير فيها ، وإنما الخير فى الأخذ بالرأى القائل : إنه جمع تكسير (١). وهو رأى فيه سداد ، وتيسير ، ولن يترتب على الأخذ به مخالفة أصل من أصول اللغة ، أو خروج على قاعدة من قواعدها ، وأحكامها السليمة.
هذا من جهة الجمع أو عدمه. بقى الكلام فى المراد من : «اسم الجنس» والمعنى الدقيق له. وفيما يلى إشارة موجزة إليهما (٢) :
إن كلمة مثل كلمة : «حديد» تدل على معنى خاص ؛ هو : تلك المادة المعروفة ، وذلك العنصر المفهوم لنا. فمن أين جاء لنا فهمه؟ وكيف وصل العقل إلى انتزاع المعنى وإقراره فى باطنه؟
رأينا قطعة من الحديد أول مرة ، ثم قطعة أخرى بعد ذلك ، ثم ثالثة ، فرابعة ، فخامسة ، ... ولم نكن نعرف الحديد ، ولا اسمه ، ثم استعملنا تلك القطع فى شئوننا ، وعرفنا بالاستعمال المتكرر بعض خواصها الأساسية ؛ وإذا رأينا بعد ذلك قطعا من صنفها فإننا نعرفها ، ولا تكون غريبة على عقولنا ، ونشعر بحاجة إلى اسم نسمى به هذا الصنف ...
فإذا رأينا بعد ذلك قطعة من جنس آخر (أى : من صنف آخر) كالذهب ، ولم نكن استعملناه فى شئوننا ـ وعرفنا بالاستعمال بعض خواصها الذاتية ؛ فلا شك أننا سنحتاج إلى اسم يميز هذا الجنس من سابقه ، بحيث إذا سمعنا الاسم ندرك منه المراد ، ونتصور معناه تصورا عقليّا من غير حاجة إلى رؤية تلك القطع والنماذج ؛ فوضعنا للجنس الأول اسما هو : «الحديد» ، ووضعنا للجنس الثانى اسما يخالفه هو : «الذهب». فالحديد اسم لذلك الجنس (الصنف المعروف) ، وكذلك «الذهب» ، وغيرهما من أسماء الأجناس ... وصرنا بعد ذلك حين نسمع كلمة : «الذهب» أو «الحديد» ندرك المراد منها إدراكا عقليا بحتا ، فيقفز إلى ذهننا مباشرة مدلولها الخاص ، من غير ربط ـ فى الغالب (٣) ـ بينها وبين شىء آخر
__________________
(١) راجع الأشمونى ، وهامش التصريح ، وشرح الشذور عند الكلام على المسألة المذكورة.
(٢) أما التفصيل ، وبسط الإيضاح فمكانهما ص ٢٥٩ من باب العلم ، (فى النكرة والمعرفة).
(٣) لأن اسم الجنس الآحادى الذى سيجىء الكلام عليه يرتبط بصورة فرد من أفراده.