وإن قيل من خوف الأذاة قد اختفى |
|
فذلك قول عن معايب يفترّ |
فهلّا بدا بين الورى متحمّلا |
|
مشقّة نصح الخلق من دأبه الصبر |
ومن عيب هذا القول لا شكّ أنّه |
|
يؤول إلى جبن الإمام وينجرّ |
وحاشاه من جبن ولكن هو الذي |
|
غدا يختشيه من حوى البر والبحر |
على أنّ هذا القول غير مسلّم |
|
ولا يرتضيه العبد كلا ولا الحرّ |
ففي الهند أبدى المهدوية كاذب |
|
وما ناله قتل ولا ناله ضرّ |
وإن قيل هذا الاختفاء بأمر من |
|
له الأمر في الأكوان والحمد والشكر |
فذلك أدهى الداهيات ولم يقل |
|
به أحد إلّا أخو السفه الغرّ |
أيعجز ربّ الخلق عن نصر حزبه |
|
على غيرهم كلّا فهذا هو الكفر |
فتحى م هذا الاختفاء وقد مضى |
|
من الدهر آلاف وذاك له ذكر |
وما أسعد السرداب في سرّ من رأى |
|
له الفضل من أمّ القرى وله فخر |
فيا للأعاجيب التي من عجيبها |
|
أن اتخذ السرداب برجا له البدر (١) |
فأجاب المجيب الموفّق دامت بركاته وتوفيقاته :
بنفسي بعيد الدار قرّبه الفكر |
|
وأدناه من عشّاقه الشوق والذكر |
تستّر لكن قد تجلّى بنوره |
|
فلا حجب تخفيه عنهم ولا ستر |
ولاح لهم في كلّ شيء تجليا |
|
فلا يشتكي منه البعاد ولا البحر |
بمرآه تسقى العين خسرا وخيبة |
|
ويسعد في أنواره القلب والصدر |
ألا طل وإن عذبت يا ليل بعده |
|
فمن بعد طول الليل يستعذب الفجر |
وأقصر أطلت اللوم يا عاذلي به |
|
فلا مفصل إلّا على حبّه قصر |
عداك السنا من هذه الجذوة التي |
|
بأكباد أهل الحبّ شب لها جمر |
وما الحب إلّا منتهى السدرة التي |
|
لهم من جناها لبّه ولك القشر |
حبيبي بك الأشياء قامت فما الذي |
|
يقيم على إثباتك الجاهل الغرّ |
حبيبي أسارى في وجودك ضلّة |
|
ولولاك للإيجاد ما انتظم الأمر |
بفيك جرى عين الحياة ومذ دنا |
|
ليشرب منها عمّر الشارب الخضر |
__________________
(١) راجع الذريعة : ١ / ٤٧٥ رقم ٢٣٤٦ و ٣ / ٩١ رقم ٢٨٨.