من النحاس الأصفر سوى العود والصنوبر والخشب والآبنوس المنقوش الذي لا تدرى قيمته ، ومسافة ما بين الغربي منها إلى الشرقي مائة وعشرون ميلا ، وبين السورين نهر مغطّى ببلاط من نحاس ، طول كلّ بلاطة سبعون أو أربعون ذراعا ، وهذا النهر الذي بين السورين يتصل بالنهر الكبير الذي تدخل فيه المراكب وتعلوه إلى داخل البلد فتقف على جانب البحر فتبيع وتشتري وفيها ألف ومائتا كنيسة وأربعون ألف حسام وفيها طلسمات للحيات والعقارب تمنعهم من الدخول إليها وطلسم يمنع الغريب من الدخول إليها ، وفي وسطها سوق يباع فيه الطير مقدار فرسخ ، ومن جملة ما فيها من الكنائس كنيسة بنيت على اسم بولس وبطرس من الحواريين وهما بهما في جوف من رخام مدفونان وطول هذه الكنيسة ثلاثة آلاف ذراع وعرضها ثلاثة آلاف ذراع ، وقيل : ألف ذراع وهي مبنية على قناطر من صفر ونحاس وكذلك سقوفها وحيطانها وهي من العجائب ، وفيها كنيسة اخرى على عرض بيت المقدس وطوله مرصعة باليواقيت والجواهر والزمرد ، طول مذبحها عشرون من الزمرد الأخضر وعرضه ستّة أذرع يحملها اثنا عشر تمثالا من الذهب ، طول كلّ تمثال ذراعان ونصف ولكلّ تمثال عينان من الياقوت الأحمر يضيء المكان منهما ولها ثمان وعشرون بابا من الذهب الأحمر (١). وعن ابن عبّاس أنّ الرومية مدينة كثيرة العجائب ومن عجائبها أنّ في وسطها كنيسة عظيمة وفي وسط الكنيسة عامود من الحديد الصيني وعليه تابوت من نحاس أحمر وفيه سودانية (٢) وهي زرزواه في منقارها زيتونة وفي مخلبيها زيتونتان من نحاس فإذا كان أيّام الزيتون لم يبق في الدنيا سودانية على وجه الأرض إلّا جاء وفي منقارها زيتونة وفي مخلبيها زيتونتان فتأتي به فتلقيه في التابوت فمنه يأكلون ومنه يأدمون ومنه يوقدون من السنة إلى السنة من زيته ، وفيها من العجائب ما يطول ذكره في هذا المقام ، انتهى.
وليعلم أنّ هذا المذكور نبذة يسيرة عن عجائبها وقطرة من غزير بحر غرائبها ومن أعطى التأمّل حقّه في هذه الصفات وهذه الحصون المحكمة والسمات والطلاسيم التي تمنع الغريب عن دخولها وتبعد من أراد الدنو من غير أهلها ونظر في صعوبة مالكها وقوّة ممالكها
__________________
(١) عقد الدرر : ١٢٥ ـ ١٢٦ الباب التاسع ، وبالهامش : المالك ، والممالك : ١١٣ ـ ١١٥.
(٢) في بعض النسخ : سودائية.