وهذا حرام لا يحلّ فيما زعموا ، وكنّا نراه يدخل ويخرج ويجيء إلى الباب وإذا الحجر على حاله الذي تركناه ، وكنّا نغلق هذا الباب خوفا على متاعنا ، وكنّا لا نرى أحدا يفتحه أو يغلقه والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى وقت ننحيه إذا خرجنا.
فلمّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في قلبي فتنة ، فتلطّفت العجوز وأحببت أن أقف على خبر الرجل فقلت لها : يا فلانة إنّي أحبّ أن أسألك وافاوضك من غير حضور من معي فلا أقدر عليه ، فأنا احبّ إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزلي إلي لأسألك عن أمر ، فقالت لي مسرعة : وأنا أريد أن أسرّ إليك شيئا فلم يتهيّأ لي ذلك من أجل من معك ، فقلت : ما أردت أن تقولي؟ فقالت : يقول لك ـ ولم تذكر أحدا ـ لا تحاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم فإنّهم أعداؤك ودارهم. فقلت لها : من يقول؟ فقالت : أنا أقول ، فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن اراجعها فقلت : أيّ أصحابي تعنين؟ وظننت أنّها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجا معي.
قالت : شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك. وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار شركة عنت في الدين ، فسعوا إلي حتّى هربت واستترت بذلك السبب ، فوقفت على أنّها عنت اولئك ، فقلت لها : ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت : كنت خادمة للحسن بن علي عليهالسلام ، فلمّا استيقنت ذلك قلت لأسألها عن النائب فقلت : بالله عليك رأيته بعينك؟ فقالت : يا أخي لم أره بعيني فإنّي خرجت واختي حبلى وبشّرني الحسن بن علي عليهالسلام بأنّي سوف أراه في آخر عمري ، وقال لي : تكونين له كما كنت لي ، وأنا اليوم منذ كذا بمصر ، وإنّما قدمت الآن بكتابة ونفقة وجّه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربية وهي ثلاثون دينارا ، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه فخرجت رغبة منّي في أن أراه ، فوقع في قلبي أنّ الرجل الذي كنت أراه هو ، فأخذت عشرة دراهم صحاحا فيها ستّة رضوية ومن ضرب الرضا عليهالسلام ، قد كنت خبأتها لالقيها في مقام إبراهيم ، وكنت نذرت ونويت ذلك فدفعتها إليها وقلت في نفسي : أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة أفضل ممّا ألقيها في المقام وأعظم ثوابا ، فقلت لها : ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة ، وكان في نيّتي أنّ الذي رأيته هو الرجل ، وإنّما تدفعها إليه فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت وقالت : يقول لك : ليس لنا فيها حقّ اجعلها في الموضع الذي نويت ، ولكن هذه الرضوية خذ منّا بدلها