إلى السائل ، فسألته عمّا وهب لك فأبى أن يعلمني ، فوهبت له دينارا فقلت له : أرني ما في يدك ، ففتح يده فقدّرت أنّ فيها عشرين دينارا ، فوقع في قلبي اليقين أنّه مولاي ، ورجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه وعيني ممدودة إلى الطواف حتّى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا فلحقنا له هيبة شديدة وحارت أبصارنا جميعا ، قمنا إليه فجلس فقلنا له : ممّن الرجل؟ فقال : من العرب. فقلت : من أيّ العرب؟ فقال : من بني هاشم. فقلنا : من أيّ بني هاشم؟ فقال : ليس يخفى عليكم ، أتدرون ما كان يقول زين العابدين عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟ قلنا : لا. قال : كان يقول : يا كريم مسكينك بفنائك ، يا كريم فقيرك زائرك ، حقيرك ببابك يا كريم. ثمّ انصرف عنّا ووقعنا نموج ونتذكّر ونتفكّر ولم نحقّق. ولمّا كان من الغد رأيناه في الطواف فامتدت عيوننا إليه فلمّا فرغ من طوافه خرج إلينا وجلس عندنا وأنس وتحدّث ، ثمّ قال : أتدرون ما كان يقول زين العابدين في دعائه بعقب الصلاة؟ قلنا : تعلّمنا. قال : كان يقول : اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض ، وباسمك الذي به تجمع المتفرّق ، وبه تفرّق بين المجتمع ، وباسمك الذي تفرّق به بين الحقّ والباطل ، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار وعدد الرمال ووزن الجبال أن تفعل بي كذا وكذا وأقبل عليّ ، حتّى إذا صرنا بعرفات وأدمت الدعاء ، فلمّا أفضنا وصرنا إلى المزدلفة وبتنا بها فرأيت رسول الله فقال لي : هل بلغت حاجتك ، فتيقّنت عندها (١).
الثالث : ممّن رآه في غيبته الصغرى : فيه عن أبي محمد الحسن بن وجنا النصيبي قال :كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة ، وأنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّكني محرّك فقال : قم يا حسن بن وجنا. قال : فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول إنّها من أبناء أربعين فما فوقها ، فمشت بين يدي وأنا لا أسألها عن شيء حتّى أتت بي دار خديجة وفيه بيت ، بابه في وسط الحائط وله درجة سدج ترتقي إليه ، فصعدت فوقفت بالباب فقال لي صاحب الزمان : يا حسن أتراك خفيت عليّ ، والله ما من وقت في حجّك إلّا وأنا معك فيه ، ثمّ جعل يعدّ عليّ أوقاتي فوقعت مغشيا على وجهي فحسست بيد قد وقعت عليّ فقمت فقال لي : يا حسن الزم دار جعفر بن محمد ولا يهمنك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك ، ثمّ دفع إليّ دفترا فيه دعاء الفرج وصلاته عليه ، فقال : بهذا فادع
__________________
(١) دلائل الإمامة : ٥٣٧ ، ومدينة المعاجز : ٨ / ١١٤.