يتعاورون على منبري فساءني ذلك ، ورأيت بني العبّاس يتعاورون على منبري فسرّني ذلك (١). فلا أقل من إخراج بني مروان منهم وعدّ بعض العبّاسيين الذين بالغوا في مدحهم وحسن سيرتهم وسياستهم ، مثل المهتدي بالله الذي هو في بني عبّاس كعمر بن عبد العزيز في بني امية ، وأحمد الناصر الذي قال الذهبي : ولم يل الخلافة أحد أطول مدّة منه ، فإنّه أقام فيها سبعة وأربعين سنة ، ولم يزل مدّة حياته في عزوجلالة وقمع الأعداء واستظهار على الملوك ، ولم يجد ضيما ولا خرج عليه خارجي إلّا قمعه ، ولا مخالف إلّا دفعه ، وكلّ من أضمر له سوءا رماه الله بالخذلان ، وكان مع سعادة جدّه شديد الاهتمام بمصالح الملك ، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيّته كبارهم وصغارهم(٢).
الوجه التاسع : أنّ مقتضى كلام هؤلاء المشايخ العظام انقضاء مدّة خلافة الخلفاء الاثني عشر المنصوصة بهلاك الثاني عشر منهم ، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي قال السيوطي في تاريخه : كان فاسقا شاربا للخمر ، منتهكا حرمات الله ، أراد أن يشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه ، وخرجوا عليه فقتل (٣).
ونقل عن تاريخ الخميس أنّه ولد لأخي أمّ سلمة ولد سمّوه الوليد ، فقال صلىاللهعليهوآله : سمّيتموه باسم فراعنتكم ، ليكونن في هذه الامّة رجل يقال له الوليد لهو أشدّ لهذه الامّة من فرعون لقومه(٤).
ونقل في التاريخ المذكور عنه من كفرياته كثيرا ، من ذلك أنّه دخل يوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها. فقالت له الدادة : هذا دين المجوس فأنشد :
من راقب الناس مات غمّا |
|
وفاز باللذة الجسور (٥) |
وأخذ يوما المصحف فأوّل ما طلع : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (٦) قال : أتهدّدني ، ثمّ أغلق المصحف ، ولا زال يضربه بالنشاب حتّى مزّقه ثمّ أنشد :
أتوعد كلّ جبّار عنيد |
|
فها أنا ذاك جبّار عنيد |
__________________
(١) المعجم الكبير : ٢ / ٩٦.
(٢) تاريخ الخلفاء : ٤٤٨ خلافة الناصر.
(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٥٠ ـ ٢٥١.
(٤) مسند أحمد : ١ / ١٨ ، ومجمع الزوائد : ٥ / ٢٤٠ وتاريخ الخميس : ٢ / ٣٢٠.
(٥) تاريخ الخميس : ٢ / ٣٢٠ ذكر خلافة الوليد الزنديق بن يزيد.
(٦) إبراهيم : ١٥.