أنّها تجرّ لأنها حرف اضافة ، وذلك قولك ما أتاني من رجل وما رأيت من أحد لو أخرجت من كان الكلام حسنا ولكنّه أكّد بمن لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس وكذلك ويحه من رجل انمّا أراد أن يجعل التعجّب من بعض الرجال ، وكذلك لى ملؤه من عسل ، وكذلك هو أفضل من زيد انما أراد أن يفضّله على بعض ولا يعم وجعل زيدا الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه في قولك شرّ من زيد وكذلك اذا قال أخزى الله الكاذب منّى ومنك ، الّا أنّ هذا وأفضل منك لا يستغنى عن من فيهما لأنها توصل الأمر الى ما بعدها ، وقد تكون باء الاضافة بمنزلتها في التوكيد ، وذلك قولك ما زيد بمنطلق ولست بذاهب أراد أن يكون مؤكّدا حيث نفى الانطلاق والذهاب وكذلك كفى بالشيب لو ألقى الباء استقام الكلام ، قال الشاعر (وهو عبد بنى الحسحاس) : [طويل]
(٢٨٥) ـ * كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا*
وتقول رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء والمنتهى ، وأل تعرّف الاسم في قولك القوم والرّجل.
وأمّا مذ فتكون ابتداء غاية الأيّام والأحيان كما كانت من فيما ذكرت لك ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها ، وذلك قولك ما لقيته مذ يوم الجمعة الى اليوم ومذ غدوة الى الساعة وما لقيته مذ اليوم الى ساعتك هذه فجعلت اليوم أوّل غايتك فاجريت في بابها كما جرت من حيث قلت من مكان كذا الى مكان كذا وتقول ما رأيته مذ يومين فجعلتها غاية كما قلت أخذته من ذلك المكان فجعلته غاية ولم ترد منتهى.
__________________
(٢٨٥) الشاهد فيه رفع الشيب بكفى بعد اسقاط حرف الجر المستعمل في مثله للتوكيد اذا قالوا كفى بالشيب وكما قال جل وعز (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أى كفى الله من شهيد وصدر البيت :
* عميرة ودع إن تجهزت غاديا*
أى ودعها وداع تارك للصبا متعظ بما شمله من الشيب وأحاط به من حرمة الاسلام وتحجيره للصبا ونهيه عن القبيح.