الحديث ـ «بالموقوف» هذا ما لا بحث فيه.
و إنّما وقع البحث فيما يذكره التابعي ناقلاً له عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، من دون توسيط الصحابي ، فقال قوم بحجّيّته بعد أن اعتبروه من «السنّة» و سمّوه «مرسلاً» أيضاً (٤٣).
والوجه في التسمية هو أنّ التابعي ـ والمراد به من تأخّر عصره عن عصر صحبة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولم يرو عنه إلّا مع الواسطة ـ إذا روى شيئاً عنه صلّى الله عليه وآله و رفعه إليه ، فحديثه مرفوع ، إلّا أنّه ليس متّصلاً ، بل هو مرسل ، والواسطة محذوفة ، وهي الصحابي بالفرض ، فيكون حديثه غير مسند ، وقد وقع الخلاف في حجّيّة مرسلات التابعي مطلقاً غير ما يختصّ منها بأسباب النزول.
أمّا في خصوص هذا الباب فإنّهم اعتبروا الموقوف على التابعي من روايات النزول مرفوعاً حكماً ، وقالوا : إن ما لم يرفعه ـ في هذا الباب ـ هو بحكم المرفوع من التابعي ، وإن كان مرسلاً ، فيقع فيه البحث في مرسلاته.
قال السيوطي ـ بعد أن حكم بأنّ الموقوف على الصحابي في باب أسباب النزول بمنزلة المسند المرفوع منه ـ ما نصّه : ما تقدّم أنّه من قبيل المسند من الصحابي ، إذا وقع من تابعي فهو مرفوع أيضاً ، لكنه مرسل ، فقد يقبل إذا صحّ المسند إليه ، و كان من أئمّة التفسير والآخذين من الصحابة كمجاهد وعكرمة و سعيد بن جبير ، أو اعتضد بمرسل آخر ، و نحو ذلك (٤٤).
إذن ، ما ورد في باب أسباب النزول عن التابعين ، يعدّ حديثاً مرفوعاً منسوباً الى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولو لم يرفعه التابعي إليه ، ولا الى أحد من الصحابة ، فيدخل في البحث عن حجّيّة مرسل التابعي ثم أنّ مرسل التابعي ليس بإطلاقه مرفوضاً.
قال الزركشي : في الرجوع الى قول التابعي ، روايتان لأحمد و اختار ابن عقيل المنع ، وحكوه عن شعبة ، لكن عمل المفسرين على خلافه ، وقد حكوا في كتبهم أقوالهم (٤٥).
_____________________________
٤٣ ـ تقريب النواوي المطبوع مع التدريب (ص ١١٨).
٤٤ ـ الإتقان (ج ١ ص ١١٧).
٤٥ ـ البرهان في علوم القرآن للزركشي (ج ٢ ص ١٥٨).