(١) أَهميّتُها
اهتمّ المفسّرون بذكر أسباب النزول ، فجعلوا معرفتها من الضروريّات لمن يريد فهم القرآن والوقوف على أسراره ، و أكّد الأئمة على هذا الإهتمام ، فجعله الإمام أبوعبدالله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام من الاُمور التي لو لم يعرفها المتصدّي لمعرفة القرآن لم يكن عالماً بالقرآن ، فقال عليه السلام :
اعلموا رحمكم الله أنّه من لم يعرف من كتاب الله : الناسخ والمنسوخ ، والخاصّ والعامّ ، والمحكم والمتشابه ، والرخص من العزائم ، والمكّي من المدني ، و أسباب التنزيل ... ، فليس بعالم القرآن ، ولا هو من أهله (٦).
ومن هنا نعرف سرّ عناية الإمام أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام بأمر نزول القرآن و معرفة أسبابه ومواقعه ، فقد كان يُعلن دائماً عن علمه بذلك ، و يصرّح باطّلاعه الكامل على هذا القبيل من المعارف الإسلاميّة :
ففي رواية رواها أبونعيم الإصبهاني في «حلية الاولياء» عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال : والله ما نزلتْ آية إلّا وقد علمتُ فيما اُنزلتْ ! و أين اُنزلتْ ! إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً (٧).
وقال عليه السلام : والله ما نزلتْ آية في ليلٍ أو نهارٍ ، ولا سهلٍ ولا جبلٍ ، ولا برٍّ ولا بحر ، إلّا وقد عرفتُ أيّ ساعة نزلتْ ! أو في من نزلتْ ! (٨).
و إذا كان أمر نزول القرآن ـ ومنه أسبابه ـ بهذه المثابة من الأهمّية عند الإمام عليّ عليه السلام ، وهو القِمة الشمّاء بين العارفين بالقرآن وعلومه ، بل هو معلّم القرآن بعد النبيّ صلّ الله عليه وآله وسلم ، كما في الحديث عن أنس بن مالك ، قال النبيّ : عليّ يعلّم الناس بعدي من تأويل القرآن ما لا يعلمون يخبرهم. [شواهد التنزيل ج ١ ص ٢٩].
_____________________________
٦ ـ بحارالأنوار للمجلسي (ج ٩٣ ص ٩) نقلاً عن تفسير النعماني.
٧ ـ تأسيس الشيعة (ص ٣١٨) ، و سيأتي في نهاية هذا البحث ذكر أحاديث اُخرى بهذا المضمون.
٨ ـ تفسير الحبري ، الحديث (٣٧ و ٧٤) ، شواهد التنزيل للحسكاني (ج ١ ص ٢٨٠) ، و سنتحدّث في خاتمة هذا البحث عن ارتباط الإمام بالقرآن.