ووقوع المجزرة الرهيبة ، حصلت حادثة عجيبة لسيّدنا المترجم له ـ عليه الرحمة ـ فإنّه لمّا وقف علىٰ قصدهم الهجوم علىٰ داره بعزيمة قتله وقتل عياله ونهب أمواله ، أرسل بحسب الإمكان أهاليه وأمواله في الخفاء عنهم إلىٰ مواضع مأمونة ، وبقي هو وحده في الدار مع طفل رضيع لم يذهبوا به مع أنفسهم ، فحمل ذلك الطفل معه ، وارتقىٰ إلىٰ زاوية من بيوتاتها الفوقانيّة ، معدّة لخزن الحطب والوقود وأمثاله ، ليختفي فيها عن عيونهم ، فلمّا وردوا وجعلوا يجوسون خلال حجرات الدار في طلبه وينادون في كلّ جهة منها بقولهم : أين مير علي ؟ ثم عمدوا إلىٰ تلك الزاوية ، فأخذ هو ـ رحمهالله ـ ذلك الطفل الرضيع علىٰ صدره ، متوكّلاً علىٰ الله تعالىٰ في جميع أمره ، ودخل تحت سلّة كبيرة كانت هناك من جملة ضروريات البيت ، فلمّا صعدوا إلىٰ تلك الزاوية ، وما رأوا فيها غير حزمة من الحطب موضوعة في ناحية منها ، وكان قد أعمىٰ الله أبصارهم عن مشاهدة تلك السلّة ، تخيلّوا أنّ جناب السيّد لعلّه اختفىٰ بين الأحطاب والأخشاب ، فأخذوها واحداً بعد واحد ، ووضعوها بأيديهم فوق تلك السلّة ، إلىٰ أن نفدت ، ويئس الذين كفروا من دينهم ، فانقلبوا خائبين وخاسرين ، وخرج السيّد المرحوم لنعمة الله من الشاكرين ، وفي عصمة الله من الحائرين ، وأنّه كيف سكن ذلك الطفل من الفزع والأنين ، وأحمد منه التنفّس والحنين كما يخمد الجنين ، إلىٰ أن جعل الأمر الخارق للعادة عبرة للناظرين وعظة للفاكرين « وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ » « فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » .
ثم إنّ اُولئك الفجرة
الفسقة الملاعين لمّا فعلوا ما فعلوا ، وقتلوا ما قتلوا ، ونهبوا من المؤمنين والمسلمين ، وهدموا أركان الدين المتين ، وهتكوا حرمة ابن بنت رسول الله الأمين ، بحيث ربطوا الدواب الكثيرة