وظنوا أنهم قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين : إنما أصابوا ذلك في شعبان. وقالت يهود : تفاءل بذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله بن عمرو عمرت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وواقد وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم فلما أنزل الله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : الآية ٢١٧]. يعني أكبر من قتل ابن الحضرمي ، والفتنة كفر بالله وعبادة الأوثان أكبر من هذا كله ففرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الإشفاق ، وقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم العير والأسيرين وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لأنفديكموهما حتى يقدما صاحبانا» يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان «فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم» ، فقدم سعد وعتبة ففاداهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى قتل ببئر معونة ، وأما عثمان فلحق بمكة ومات كافرا. ووقع في الهداية لمكي وغيرها وكان هذا أول قتال وقع بين المسلمين والكفار وأول غنيمة غنمت وأول قتيل قتل من الكفار (١).
ووقع أيضا في الأحكام لإسماعيل أنه أول قتيل قتل من المشركين. وذكر مكي : أن ابن وهب روى أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ردّ الغنيمة ، وودى القتيل. وكان ذلك بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.
قال إسماعيل القاضي : وفي إرسال النبيّ صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن جحش بكتاب مختوم وأمره أن لا يقرأه إلا بعد يومين من الفقه إجازة الشهادة على وصية مطبوعة ، وهو قول مالك وكثير من السلف ، وروي عن الحسن أنه لم يجز الشهادة على وصية كتاب مطبوع وقال : لعل فيه جورا.
«حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الجاسوس»
في البخاري وغيره عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : جاء عين من المشركين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو نازل فلما طعم انسل فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «عليّ الرجل اقتلوه» ، فابتدره القوم ، قال : وكان أبي يسبق الفرس فسبقهم إليه فأخذ بخطام راحلته فقتله ، فنفّله رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلبه (٢).
__________________
(١) رواه ابن جرير الطبري في التاريخ (٢ / ٢٥٣) ، وابن كثير في البداية والنهاية (٣ / ٢٤٩ و ٢٥٠) وقال ابن كثير قال ابن اسحاق وذكره. وانظر ابن هشام (١ / ٦٠٣ و ٦٠٤) وابن سعد (٢ / ٦٠ و ٦١) وابن كثير (٢ / ٣٦٦ و ٣٧١) وانظر زاد المعاد (٣ / ١٦٨).
(٢) رواه البخاري (٣٠٥١) ، وأبو داود (٢٦٥٣) ، وابن ماجه (٢٨٣٦) من حديث سلمة بن الأكوع رضياللهعنه.