وقال سعيد بن المسيب : لم يكن أحد من الصحابة يقول : سلوني. إلّا عليّ ابن أبي طالب ، وكان إذا سئل عن مسألة يكون فيها كالسكة المحماة ، ويقول :
إذا المشكلات تصدّين لي |
|
كشفت حقائقها بالنظر |
فإن برقت في مخيل الصّو |
|
اب عمياء لا يجتليها البصر |
مقنعة بغيوب الأمور |
|
وضعت عليها صحيح الفكر |
لسانا كشقشقة الأرحبيّ |
|
أو كالحسام اليماني الذكر |
وقلبا إذا استنطقته الفنو |
|
ن أبرّ عليها بواه درر |
ولست بإمعة في الرّجا |
|
ل يسائل هذا وذا ما الخبر |
ولكنّني مذرب الأصغرين |
|
أبيّن مع ما مضى ما غبر (١) |
قال ابن أبي الحديد : فأما فضائله (عليه السلام) ، فإنّها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار ، مبلغا يسمح معه التعرّض لذكرها ، والتصدي لتفصيلها ، فصارت كما قال أبو العيناء ، لعبيد الله بن يحيى بن خاقان ـ وزير المتوكل ، والمعتمد ـ رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك ، كالمخبر عن ضوء النهار الباهر ، والقمر الزاهر ، الذي لا يخفى على الناظر ، فأيقنت أنّي حيث انتهى بي القول ، منسوب إلى العجز ، مقصّر عن الغاية ، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك ، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك.
وما أقول في رجل ، أقرّ له أعداؤه وخصومه ، بالفضل ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله ، إنّه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام ، في شرق الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره ، والتحريض عليه ، ووضع المعايب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعدوا مادحيه ، بل حبسوهم ، وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظروا أن يسمّى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلّا رفعة وسموّا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار ، إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.
__________________
(١) الغدير ٦ / ١٩٤.