وجلست عند قبره آنساً به أقرأ القرآن
إلى أن مضى من الليل ساعة
، فغفوت غفوة فرأيت صاحبي في أحسن صورة وأجمل زي ، في روضة خضراء عليه ثياب خضر
قائماً يتلو القرآن ، فقلت له : ألست بصاحبي؟ قال : بلى ، قلت : فما الذي صيرك إلى
ما أرى؟ فقال : إعلم أني وردت مع الصابرين على الله عزوجل في درجة لم ينالوها إلا
بالصبر على البلاء ، والشكر عند الرخاء ، فانتبهت .
وحكى الشعبيّ قال : رأيت رجلاً وقد دفن
ابنه ، فلمّا حثا عليه التراب وقف على قبره ، وقال : يابنيّ ، كنت هبة ماجد ،
وعطية واحد
، ووديعة مقتدر ، وعارية منتصر ، فاسترجعك واهبك ، وقبضك مالكك ، وأخذك معطيك ،
فأخلفني الله عليك الصبر ، ولا حرمني الله بك الأجر ، ثم قال : أنت في حلّ من قبلي
، والله أولى عليك بالتفضّل مني.
ولما مات عبد الملك بن عمر بن عبد
العزيز ، وأخوه سهل بن عبد العزيز ، ومولاه مزاحم ـ في أيام متتابعة ـ دخل عليه
بعض أصحابه يعزيه ، وقال في جملة كلامه : والله ما رأيت مثل ابنك ابناً ، ولا مثل
أخيك أخاً ، ولا مثل مولاك مولى ، فطأطأ رأسه ، ثم قال : أعد علي ما قلت ، فأعاده
عليه ، فقال : لا والذي قضى عليهم ، ما أحب أن شيئا كان من ذلك لم يكن.
وقيل : بينما عمر بن عبد العزيز ذات يوم
جالس إذ اتاه ابنه عبد الملك ، فقال : الله الله في مظالم بني أبيك فلان وفلان ،
فوالله لوددت أن القدور قد غلت بي وبك فيما يرضي الله ، وانطلق فأتبعه أبوه بصره ،
وقال : إني لأعرف خير أحواله ، قالوا : وما خير أحواله؟ قال : أن يموت فأحتسبه.
ولما دخل عليه أبوه في مرضه فقال له :
كيف تجدك؟ قال : اجدني في الموت ، فاحتسبني يا أبه ، فإن ثواب الله عزوجل خير لك
مني ، فقال : والله يا بني ، لئن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك ،
فقال ابنه : لئن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب.
فلما مات وقف على قبره ، وقال : رحمك
الله يا بني ، لقد كنت ساراً مولوداً ، وباراً ناشئاً ، وما اُحب أني دعوتك
فأجبتني.
__________________