الباب الثاني
في الصبر وما
يلحق به
الصبر في اللغة : حبس النفس من الفزع من
المكروه والجزع عنه ، وإنما يكون ذلك بمنع باطنه من الاضطراب ، وأعضائه من الحركات
غير المعتادة ، وهو ثلاثة أنواع :
الأول : صبر العوام ، وهو حبس النفس على
وجه التجلد ، وإظهار الثبات في النائبات ، ليكون حاله عند العقلاء وعامة الناس
مرضية يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون .
الثاني : صبر الزهاد ، والعباد ، وأهل
التقوى ، وأرباب الحلم ، لتوقع ثواب الآخرة ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
الثالث : صبر العارفين ، فإن لبعضهم
التذاذاً بالمكروه ، لتصورهم أن معبودهم خصهم به من دون الناس ، وصاروا ملحوظين (
بشرف نظرته )
وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة ، قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك
عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون .
وهذا النوع يختص باسم الرضا ، وسيأتي في
باب خاص.
والأول لا ثواب عليه ، لأنه لم يفعله
لله ، وإنما فعله لأجل الناس ، بل هو في الحقيقة رياء محض ، فكلما ورد في الرياءات
فيه ، ولكن الجزع شر منه ، لأن النفوس البشرية تميل إلى التخلق بأخلاق النظراء
والمعاشرين والخلطاء ، فيفشوا الجزع فيهم ، وإذا رأوا أحوال الصابرين مالت نفوسهم
إلى التخلق بأخلاقهم ، فربما صار ذلك سبباً لكمالهم ، فيحصل منه فائدة في نظام
النوع ، وإن لم يعد على هذا الصابر.
والصبر عند الإطلاق يحمل على القسم
الثاني.
واعلم أن الله ـ سبحانه ـ قد وصف
الصابرين بأوصاف ، وذكر الصابرين في القرآن في نيف وسبعين موضعاً ، وأضاف أكثر
الخيرات والدرجات إلى الصبر وجعلها
__________________