وحقيقته أن يبني الشاعر البيت من شعره على قافية أرصدها له ، أي أعدها في نفسه ، فإذا أنشد صدر البيت عرف ما يأتي به في قافيته. وعنده أن ذلك من محمود الصنعة ، لأن خير الكلام ما دل بعضه على بعض.
أما التوشيح عند ضياء الدين فمعناه أن يبني الشاعر أبيات قصيدته على بحرين مختلفين ، فإذا وقف من البيت على القافية الأولى أي الداخلية كان شعرا مستقيما من بحر وقافية ، وإذا أضاف إلى ذلك ما بنى عليه شعره من القافية الأخرى ، كان أيضا شعرا مستقيما من بحر آخر وقافية أخرى ، وصار ما يضاف إلى القافية الأولى للبيت كالوشاح.
فمن ذلك قول بعضهم :
اسلم ودمت على الحوادث مارسا |
|
ركنا ثبير أو هضاب حراء (١) |
ونل المراد ممكنا منه على ... |
|
رغم الدهور وفز بطول بقاء |
فهذان البيتان من بحر الكامل التام والقافية هي الهمزة ، ولكن إذا حذفنا من البيت الأول «أو هضاب حراء» ومن الثاني «وفز بطول بقاء» ظل البيتان قائمين وتحولا من بحر الكامل التام إلى بحر آخر هو مجزوء الكامل ، وأصبحت صورتهما هكذا :
اسلم ودمت على الحوا |
|
دث مارسا ركنا ثبير |
ونل المراد ممكنا |
|
منه على رغم الدهور |
ويعقب ضياء الدين على هذا النوع بأنه لا يستعمل إلا متكلفا عند تعاطي التمكن من صناعة النظم ، وأن حسنه منوط بما فيه من الصناعة لا بما فيه من البراعة.
__________________
(١) ثبير : الجبل المعروف عند مكة. حراء جبل بمكة فيه غار ، وكان الرسول ، قبل أن يوحى إليه ، يأتيه ويخلو بغاره فيتحنث فيه ، أي يتعبد لله.