لقد كتب الكثير عن النظام الجبائي الإسلامي بصفة عامّة ، وما زاده تعقيدا أنه انبنى على غزو واحتلال أي على مجتمع غير منسجم إثنيا ودينيا. ومفهوم الضريبة ذاته ليس إسلاميا ، فالمسلم يدفع صدقة ليتزكّى دينيا ، لكنّ المغلوبين يدفعون جزية و" هم صاغرون" جزاء بقائهم على دينهم وحماية المسلمين لحياتهم وممارستهم لدينهم : هذه هي الفلسفة القانونية الأصلية وهذه هي جذورها الإسلامية ، كما أنّ الدولة لم تتعال بعد على جماعة المسلمين الغزاة وإليهم بالأساس يرجع كلّ الفيء لأنه حقّهم افتكوه بسلاحهم.
هذا هو الوضع القانوني الأصلي ومبرّراته العربية والإسلامية ، المأخوذة من قوانين الحرب في آخر المطاف. وقد تداخلت التقاليد العربية التي غلّفها الإسلام دينا وتنظيما مع وضع الاحتلال في بلدان خاضعة من قديم للجباية ، بالخصوص لجباية الأرض وبأقلّ درجة لجباية الرؤوس في المدن أساسا. في الواقع ، وتحت المظلّة الإسلامية ومنطق الفتح ، تمّ الاستمرار على التنظيمات القديمة. لكن من الواضح أنه ستحدث صدامات متى انتشرت الأسلمة لدى المغلوبين فارتفع حقّ الغلبة لأنّ الفتح الإسلامي لم يكن غزوا بحتا بالقوّة ـ مع أنه كان كذلك أيضا.
بل هو معتمد على الدين ومنطلق من الدين في زاوية ما من المخيال الجماعي لدى الغالبين والمغلوبين. وهذه الصدامات ستحدث بصفة درامية في بلاد المغرب بسبب الأسلمة السريعة لقبائل البربر ، وإذن لوجود تناقضات أصلية في الأساس.
وما زاد الطين بلّة هو تعقّد تصنيفات الفقهاء من لدن أبي يوسف على الرّغم من قدمه ومن شفافية النمط العراقي. وتجري هنا التساؤلات عن وضعية الأرض والجباية كما أنّ المفاهيم تبقى ملتبسة : فالجزية مثلا تعني كلّ أصناف الجباية بما في ذلك الخراج وتعني كذلك الضريبة على الرؤوس وهي من ميراث الفرس والرّومان. والاختلاف يجري على الظروف التاريخية ، ظروف الفتح ، وعلى تمييز ما هو عنوة وما هو صلح