والرّسائل وكذلك بيت المال ألحق بقصر الإمارة كما جرى عليه الأمر في أمصار المشرق وحسب التقاليد المعهودة آنذاك.
ما هي صلاحيات هذه الدواوين المركزية؟ فديوان الجند يهتمّ بإحصاء المقاتلة وتوزيع الأعطيات عليهم وهو يتقاطع مع ديوان الخراج بصفة وطيدة لأنّ كلّ جهاز الفتح العربي والاحتلال والاستيطان قائم عليهما منذ أن أسّس عمر هذه المؤسّسات. فالعرب يمتصّون الضرائب من أهل الذمّة والمغلوبين ويوزّعونها على الجند من الفاتحين العرب في هذا المصر أو ذاك. ولم يحدث تغيير هام زمن معاوية وعبد الملك سوى بعض التصحيحات ، لأنّ الفكرة الأساسية ما وراء ذلك هي الإبقاء على قوّة عسكرية ضاربة مستعدّة للجهاد ومنعها من الذوبان في البلاد المحتلة والانتشار. وهنا تلعب الدولة دور الوسيط فقط. هذا هو النسق العام للتنظيم الإمبراطوري الإسلامي وهو بالضرورة ينطبق على بلاد المغرب.
أمّا ديوان الرّسائل فهو إدارة الاتصال بالأعوان الجهويين كما بالإدارة الخليفية في دمشق ثم في بغداد ويمثّل سلطة المكتوب والحرف في سياسة الإمبراطورية ودوره في الهيمنة على البشر. وهكذا يهتمّ ديوان الرّسائل بتحرير مراسلات الوالي مع الاحتفاظ بنسخ من كلّ الرّسائل المبعوثة.
ومن الواضح أنّ في كلّ هذا التنظيم المهيكل يبرز ديوان الخراج كالجهاز ـ المفتاح لأنه مقام على تجميع المال في البلاد المفتوحة بصفة مستمرّة خلافا للغنيمة التي هي طارئة ومرتبطة بالعمليات العسكرية. وهذا الديوان لم يكن له فقط هدف تجميع الخراج على الأرض بحصر المعنى ، وإنّما كان أيضا يأخذ الجزية على الرؤوس وأخيرا يجمع ويجلب ما تدفعه المجموعات المحلية من إتاوة جملية منجرّة عن عقود الصلح المبرمة.
فهو مسؤول عن الثلاثة أنماط من الضرائب المعهودة في الإسلام الفاتح الغازي الأوّلي. لكن بخصوص إفريقية والمغرب ، تطرح مشكلة عويصة خاصة بماهية النظام الجبائي في هذه الرّقعة لما لازمه من ضبابية ، ومن هنا يأتي الجدل بين المؤرّخين.