تفاصيلها كما أنها هشّة ومبعثرة في شكل تحصينات مشيدة وقصور مبنيّة بشكل متعجّل يعبّر بشدة عن الضغط البربري. أما من حيث الإدارة العسكرية ، فكانت إفريقية البيزنطية منقسمة إلى أربعة أقسام ترابية : البيزاسان ، والبلاد الطرابلسية ، ونوميديا ، وموريطانيا ، على رأس كل واحدة دوق يساعده عدد من الضبّاط ومحاط ببيروقراطية هامة (١).
يحمل التنظيم العسكري العربي من جهته طابع جذوره : فقد انتصب بالفعل على أشلاء سحق شامل للبربر ، وبالتالي على شعور بالأمن. ولعلّ هذا النظام الذي حظي زهاء ثلث قرن على الأقل بسند الرعية ليبقى في السلطة (٨٦ ـ ١٢٣ ه) ، حتى يؤمّن بكل بساطة الحضور العربي ، مع اتباع الحذر من جانب البحر للتّصدي لهجمات المراكب البيزنطية. ومنه جاء التمركز في مواقع حضرية وعسكرية ، باستثناء الرباطات البحرية بالساحل (٢) والتي تسيطر على المدن ـ المخيّمات من النمط العربي ـ الشرقي كالقيروان. إزاء الترييف العميق للنمط البيزنطي (٣) وإزاء عقمه الكبير وتعقيده ، فإن النمط العربي يبرهن أنه أكثر بساطة وتركيزا وأفضل تناسقا مع الهيكل الإداري في الكور الذي فرض قيامه على أرضها.
في حوالي ١٢٠ ه / ٧٣٨ م ، ظهرت تحويرات هامة. فقد أخذت الحملات على صقلية بعدا كبيرا (٤) حيث وجّهت إفريقية نحو المتوسط
__________________
(١) ش. ديل ، م. س ، ج ١ ، ص ١٢٦ إلى ١٣٧.
(٢) منذ زمن يسبق بناء هرثمة بن أعين لرباط المنستير كان هناك رباطات صغيرة على البحر كما تفيد بذلك كتب الطبقات.
(٣) ك. كورتوا يميل إلى رأي آخر : من روما إلى الإسلام ، ص ٣٩ ، إذا قبلنا بحصول تطور بين روما وبيزنطة لوسائل الدفاع في اتجاه توسيع كبير للحياة الحضرية ، دون أن تدوم أشكال الحماية الحقيقية في الريف أكثر من ذلك والتي كانت تابعة بشكل كبير للبيزاسيوم (الساحل). انظر ش. ديل ، م. س ، ج ١ ، ص ١٨٥ ـ ٢١٥ ؛ انظر كذلك خريطة المنشآت العسكرية بالساحل في نفس الجزء.
(٤) بين ١٠٣ و ١٠٧ ه ، قام بشر بن صفوان باختراق صقلية وجلب منها كثيرا من العبيد ؛ البيان ، ص ٤٩ ، وفي ١٢٣ ه ، بلغ حبيب بن أبي عبدة أيضا صقلية ، م. س ، ص ٥٣.