وقد وقعت تحويرات خلال الفترة العباسية نجهلها جملة وتفصيلا ، لكن عوّض هذا التأطير الإطار القبلي كما يقنعنا بذلك اليعقوبي عند قراءة وصفه للحاميات بإفريقية في عصر الأغالبة (١). بالنسبة للقيادة فقد اتبعت حرفية انغرست إذاك بعمق في الجيش. وقد كانت العائلات الكبرى تحتكر فعليا القيادة العليا في عهد الأمويين ، على غرار الفهريين ، وهذا يشكّل مصالح المحليين في مواجهة الحاكم الوارد عليهم من الشرق (٢). وفي العصر العباسي ، كان القادة المهمّون عناصر من الجند ، وهم مع ذلك في غالب الأحيان من التميميين (٣) ، تماشيا مع سيطرة مجموعتهم القبلية. لكن المسألة الأساسية هي التأثير الذي نجح هؤلاء القادة في تحقيقه على الجند وتوظيفهم لتحقيق طموحاتهم الشخصية. في هذا الصدد يبدو جليا أن العقلية المحلية تجاوزت الأطر القبلية وتقاطعت برؤية واضحة مع المصالح المهنية ، فبدأت في السيطرة على العشائر وتسوية تفوّقهم العرقي : وما الشخصنة واللّا انضباط لدى القيادة سوى نتيجة لذلك (٤).
تفرض دراسة الاستقرار الجغرافي للجيش أن نعرّف مسبقا اتجاه الطريقة العسكرية العربية وميولها المتعدّدة التي تتطور مع الزمن.
نعلم أن روما هيّأت وأنجزت فعلا طريقة دفاعية أساسية تعتمد على حدود الليماس. ولما تعودت بيزنطة على واقع فيه قدر أكبر من التهديد ضاعفت هذه النزعة وبعثت خطوطا دفاعية على ذات العرض معقدة في
__________________
(١) كان الزحف على الزاب بصفة خاصة بقيادة مفرزات على النمط القبلي : البلدان ، ترجمة فيات ، ص ص ٢١٤ ـ ٢١٥.
(٢) البيان ، ص ٥٤ : كان حبب بن أبي عبدة يقدّم نفسه كمدافع على أهل إفريقية ضد وقاحة الشاميين في معركة السبو.
(٣) مثل : تمّام بن تميم التميمي وإبراهيم بن الأغلب.
(٤) يظهر لفظ قواد بشكل متواتر في العصر العبّاسي ليشير إلى كبار القادة ولكن ، حسب رأينا ، ليست سوى إسقاط استذكاري. في بداية العصور الوسطى أخذت العبارة طنينا مغربيا خصوصيا ومنه تسمية قائد وفي الاستعمال الدارج قايد ، أدمج في الفرنسية بلفظةcaid.