الغربي والأوسط وأبرزت دور مدينة تونس (١) ، مما جعلها تطبع في ذات الوقت طريقة التنظيم بطابع هجومي. نتيجة لذلك فإن اضطرابات الخوارج التي اندلعت بعد زمن يسير تطلبت على عكس الأولى نزعة دفاعية في الوقت الذي تمّ فيه تحديد مركز العلّة في منطقة الزاب. انشقّت إذا الطريقة العربية إلى مستويين في التنظيم : مستوى أوّل ذي دور محلّي وهو مركز التجمعات العسكرية كطبرقة وباجة وقابس وقفصة ... إلخ حيث يظهر الجيش كقوة نظام عمومي تحت تصرّف نائب الوالي أو العامل ، ومستوى ثان للتدخل العام في القيروان وتونس والزاب وبلاد طرابلس. هكذا نجد أنه وقع التنسيق بصفة مختلفة في المقاطعات الأربع العسكرية البيزنطية ، فاستوعبت الزاب العربية بلاد صطيف ، ورغم أن تونس إنّما هي استحداث جديد إلّا أنها واصلت دور قرطاج. فلم يكن لهذه الطريقة بحقّ أن تثبت بهذا الشكل إلّا في نهاية الفترة العبّاسية وتحت دفع أحداث بعينها. فلنفحص المسألة بالتدقيق.
يرجع الفضل الكبير في الدور العسكري لتونس ، لتأسيس حسّان بن النعمان ميناء إصلاح السفن (حوالى ٨٢ ه) ، ولكن لم تستطع هذه المنشأة أن تؤكّد وجودها إلا بعد ١٢٠ ه ، كالحال عند ما تقدّم لنا المصادر على سبيل المثال شخص عبد الرحمان بن حبيب وهو يستند إلى جند هذه المدينة ليفتكّ السلطة (٢) (١٢٧ ه). إلى ذلك الحدّ ، تعتبر القيروان مركز جيوش إفريقية بدون منازع ، والتي رغم تقلّص دورها ، حافظت على أهمّ تجمّع للقوى العربية وكانت أحد أضخم الأوكار العسكرية. يذكر البيان المغرب على سبيل المثال أنه لما توجّه عمرو بن حفص من القيروان لمنطقة الزاب ، كانت إفريقية قد" أفرغت من جنودها" (٣). كذلك لمّا بعث الوالي فضل بن روح عاملا جديدا إلى
__________________
(١) لعبت قليبية دور ميناء إرساء لصقلية أكثر من النوبة ، البلدان ، طبعة النجف ، ص ١٠.
(٢) ابن عبد الحكم ، م. س ، ص ٣٠٠ ؛ البيان ، ص ٦٠ ، النويري ، ترجمة سلاين البربر ... ، ج ١ ، م. س ، ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥.
(٣) البيان ، ص ٧٥.