خدمة إلا لقاء مبلغ من المال. لا يعمدون الأطفال إلا بالمال ، ولذا تجد بين الشعب صبيانا لم ينالوا العماد بعد إما بسبب غياب القسس من طقسهم أو لعدم تمكن ذويهم من دفع المال المطلوب. وقد روت لي السيدة معاني أنها حضرت في أحد الأيام عماد أم مع ولدها الذي كان قد شب عن الطوق ويرجع سبب هذا التأخير إلى عدم حضور قس من طقسها إلى المدينة منذ سنوات ولم تشأ قبول العماد من قس ينتمي إلى طقس مختلف ، فهي لا تريد الاختلاط بغير أبناء كنيستها.
ولا يعرف عن القسس الموجودين في بغداد حاليا إن كانوا كاثوليك أم هراطقة فهم جهلاء جدا ، وقد يخدم أحدهم طقسه وطقس طائفة أخرى وهو جاهل بأمور الطقسين! والأتعس في كل ذلك أن وجود الكهنة في المدينة متقطع ، فهم يمرون بها من فترة إلى أخرى كما يأمرهم البطريرك ... وقد تمر مدة طويلة دون مجيئهم. وهم يحاولون كسب أكبر مقدار من المال ، ولا أدري إن كانوا يفعلون ذلك لإشباع جشع أم لفقر مدقع أم لدفع الإتاوات الكثيرة.
إن المتقدمين في السن القادمين من ديار بكر وماردين يعرفون بعض الحقائق الدينية لأنهم أبصروا النور في محيط تتوفر فيه الكنائس والكهنة. أما الجيل الجديد الذي ولد وشب في بغداد فهو جاهل بالأمور الدينية ولا يكاد يعرف إلا الصلاة الربية باللغة الكلدانية التي تعلمها من الوالدين. أما الشخص الذي يعرف بعض التراتيل الدينية العربية ـ وهي اللغة السائدة ـ فهو من الفاهمين (١)! ..
إن غياب القسس من جهة ، والحالة الاجتماعية الأقل من الحسنة جعلت الشعب يعيش في جهل عميق بأموره الدينية .. فلا عجب إذا في قولي إن سيدتي معاني تجهل حقائق الدين .. ولعل حالتها هذه أفضل ـ بالنسبة لي ـ وقد أرادتها الحكمة الإلهية ليتم تثقيفها الديني على يدي ، فأعهد إلى رهبان
__________________
(١) نقلت هذه الفقرة من رسالة كتبها السائح من أصفهان (الجزء الأول : ص ٨٥٧) لعلاقتها بنصارى بغداد.