عيوننا ، فإنهم ضلوا الطريق الصحيحة ، وإن التفافهم على الطريق بدافع التقوى / ٢١٤ / جعلهم يخطئونه ، وبذلوا جهودا لم تنفع للاهتداء إليه ، وأصبح من المستحيل عليهم أن يسلكوا الوجهة الصحيحة. حينئذ تشاور الشريف ورئيس الجمالة بصوت منخفض ، انصرف الأخير مباشرة بعد ذلك مسرعا لاستكشاف الطريق. كنا في تلك اللحظة قريبين كل القرب من مكة المكرمة التي ذهب إليها رئيس الجمالة على الأرجح. وألقينا عصا الترحال بانتظار عودته.
قلت في بداية هذا الفصل إن انطباعي الأول لم يكن إيجابيا عن الشريف حامد ، وإنني فسرت صمته تفسيرا خاطئا ؛ ولم أتأخر في العودة عن حكمي المتعجل ، وفي مؤاخذة نفسي على ظني الذي لم يكن عادلا. إن ما ظننته عجرفة كان خجلا. ولا يمكن تصور الرعاية التي أحاطني بها خلال الرحلة ، والعناية المؤثرة التي خصني بها عند ما ألمت بي الوعكة القصيرة في الأمسية السابقة ، والاهتمام الذي أولانيه في مساء ذلك اليوم الذي ضللنا فيه الطريق.
كان يخشى أن يكون ركوب الهجان خلال اثنتي عشرة ساعة قد أرهقني ، ولم ينفع التأكيد المتكرر بأنني لست مرهقا في إقناعه بذلك. وكان لا يني يعبّر لي بأروع الكلمات وأفصحها عن قلقه وأسفه. لقد أخذ زمام هجاني ، وجعله يسير إلى جانب هجانه ، خوفا من أن / ٢١٥ / ينحرف عن طريقه في الظلام ؛ كان يقوم بكل ذلك على أحسن وجه ، وأتم آيات الأدب.
كان بين المرافقين عبد ضخم ووسيم ، يسمّى : أبو سلاسي ـ Abou Slace ? ، وكان موضع ثقة الشريف الأكبر ، وكان يبدو أن له نوعا من السلطة على الآخرين ، لم يعرنا منذ الانطلاق أي اهتمام ، ولم يكن لطيفا ، وكان يقوم بما يكلفه به سيده من مهمات باستياء ظاهر. وعند ما ظللنا الطريق كان يردد شكوى محزنة ، ويحتج بسفاهة قائلا : إن سيده يبالغ فيما يقوم به من أجلنا ، وإننا لسنا في نهاية الأمر إلّا نصارى ، لا نستحق كل هذه التشريفات ، وإن في معاملة الكفار مثل تلك المعاملة في مهد الإسلام إغضابا لله تعالى الذي جزانا بجعلنا نضل الطريق في قلب الظلام.
لقد نبهه الشريف بلطف ، وأظهر له أن كلامه غير لائق ، وقال له : إننا