ضخم تقبع مكة المكرمة في أسفله ، كان أمامنا ، وكان جديرا بالاسم الذي يحمله ، لأنه كان يلتمع تحت حزم ضوء الغروب. أمّا السهل الواسع والرائع سهل معبرة (١) (؟) Moebarreh فقد كان يحول بيننا وبين جبل النور ؛ وكانت تعبر ذلك السهل نسور أكثر حظا منا ، كانت تمرّ من فوق رؤوسنا لتذهب إلى مكة المكرمة حيث كانت هناك بدون شك أوكارها ، لم نكن إلا على بعد ساعة على الأكثر من مكة المكرمة ، ولكن أحدا لم ينطق باسمها ولو مرة واحدة. وعند الغسق دخلنا في سهل آخر هو سهل العكيشيّة (٢) وفيه أدركنا الليل. ثم سرنا ساعتين في ظلام دامس ، وبصمت مطبق. لم يكن أحد يغني ، ولا أحد يتكلم ، وكان يبدو أن لا أحد يتنفس ؛ ولم نكن نسمع إلا صوت تكسر الأعشاب اليابسة تحت خفاف الهجن. وفجأة توقفت القافلة. لقد ضللنا الطريق.
يمر الطريق العادي بين جدة والطائف عبر مكة المكرمة ، ولم يكن العرب الذين يرافقونا بدءا من الشريف حتى العبيد ، قد سلكوا من قبل طريقا غيرها ، لأنه لم يكن عليهم أن يرافقوا قبلنا مسيحيين ، ولم يكن عليهم بالتالي أن يتجنبوا المرور بمكة المكرمة. ولمّا كانوا يحرصون على إخفائها عن
__________________
ـ بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ١٦٣ ـ ١٦٤. وانظر : صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، موثق سابقا ، ج ٢ ، ص ٥٦٥.
(١) كتبت في الترجمة الإنجليزية لرحلة ديدييه ، موثق سابقا ، ص ١١٠Plain Of Mubarrah سهل المبرح. ولعل الصواب في ذلك أنه سهل المعابدة الذي أصبح اليوم حيا من أحياء مكة المكرمة بعد أن امتد إليه العمران.
(٢) جاء في معجم معالم الحجاز ، للبلادي ، ج ١ ، ص ١٥٣ ـ ١٥٤ العكيشيّة : بلاد أسفل مكة المكرمة ، كانت لآل السبحي ، بات بها جيش الحسين بن علي أمير مكة المكرمة عند حملته على عسير سنة ١٣٢٩ ه. وهي اليوم مزارع عثرية إلى الجنوب الغربي من مكة المكرمة ، يصب سيلها على حد الحرم الجنوبي وتصب فيها شعاب الوتائر ـ جمع وتير ـ من الغرب ، وهذا هو ما كان يسمى الوتير ، أما اسم العكيشية فحادث ، وفيها بئر تسمى بئر السبحي ... وأرضها عبارة عن نهي بين الجبال. وكتبها ديدييه Okech.