يصف الأماكن والأسواق والمياه والأشجار ، ويركز على البشر بطباعهم ولباسهم ومساكنهم ، وسيجد علماء الأنثر وبولوجيا (الإناسة) ، وعلماء الاجتماع ، والجغرافيون فائدة جلّى في رحلة ديدييه.
لقد التقى ديدييه بأشخاص من الطراز الأول إبّان رحلته مثل : خالد بن سعود ، وعبد المطلب بن غالب شريف مكة المكرمة ، وغيرهما من الأشراف ، وبالقنصل الفرنسي في جدة روشيه ديريكورRochet D ? Hericourt ، والقنصل البريطاني فيها السيد كول M.Cole ، والوالي العثماني أحمد عزت باشا ، وكرد عثمان باشا ، أحد القادة العسكريين الأتراك. وغيرهم من التجار من ذوي الأصول الهندية والأوروبية ، ويجد القارىء في الرحلة تحليلا سلوكيا رائعا لكل تلك الشخصيات المختلفة في أخلاقها وطبائعها والحضارات التي تنتمي إليها. إن المعلومات التي يقدمها ديدييه ، بأسلوب رائع ، ومقدرة على الوصف هائلة ، تذكرنا بالكاتب الفرنسي الكبير إميلا زولا ، الذي كان يبلغ من العمر (١٤) عاما عندما قام ديدييه برحلته ، وكان عمره (١٧) عاما عندما نشرت رحلة ديدييه ، فهل قرأ زولا ما كتب ديدييه؟ وقد ضمن ديدييه رحلته كثيرا من معالم ثقافته ، وهو الشاعر الذي بدأ نشر قصائده في سن مبكرة. لقد قرأ ديدييه كما يبدو من رحلته الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، وقرأ روايات الأدباء اللاتينيين واليونان ، وأشعار شعراء الأمتين ، واطلع على الفنون التشكيلية لهما ، وأتقن الأدب الفرنسي ، وقرأ كتب المفكرين والفلاسفة في عصره ، كل ذلك يجده القارىء في هذه الرحلة.
أما بخصوص العرب ، فهو بلا شك قرأ ألف ليلة وليلة (١) مترجمة ، واطلع على كتب الرحلات ، خصوصا رحلات بوركهارت ، الذي يستشهد به ديدييه في مكان واحد من رحلته (٢) ، ولكنه اعتمد عليه كلية في الفصل الذي
__________________
(١) أشار إليها ديدييه في مواضع من رحلته ص / ٢٤ / وص / ١٥٠ / وص / ٢٣٨ / وص / ٢٩٤ / ويدل أحد هذه الأماكن على الأقل على أنه قرأها ويتذكر تفاصيل حكاياتها.
(٢) انظر النص الأصلي لرحلة ديدييه ص / ١١٨ / ؛ إذ ينقل عن بوركهارت : أن نوعا من النسور الجريئة التي تختطف الطعام من صحون الحجاج ، تعيش في جبال الحجاز ـ