وقد يسد غيرها في معنىً ساذج متعارف لا معنى دلالي متميز ، فالله تعالىٰ
أراد الظمآن بكل ما تحمله الكلمة في تضاعيفها الأولية والثانوية من دلالات خاصة
بها فلا تسد مسدها ـ مثلاً ـ كلمة الرائي ، لأنّ الرائي قد يرىٰ السراب من
بعيد وهو ليس بحاجة إليه ، فلا يتكلف إلا الخداع البصري أما الظمآن فإنه يكد ويكدح
ويناضل من أجل الوصول إلى الماء حتى إذا وصل إليه وإذا بما حسبه ماءً قد وجده
سراباً ، فكانت الحسرة أعظم والحاجة أشد ولم يبرد غليلاً ، ولم يدرك أملاً.
قال أبو هلال العسكري ( ت : ٣٩٥ تقريباً
) : « فلو قال يحسبه الرائي ماءً لم يقع قوله ( الظمآن ) لأن الظمآن أشد فاقة إليه
وأعظم حرصاً عليه .
ب ـ وما أراد به القرآن الاتساع
المترامي ، فإنه يختار له الألفاظ الدالة على هذا الاتساع بكل شمولية واستيعاب فحينما
نتدارس بإجلال قوله تعالى :
(
وَمَا مِن
دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا
كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)
) .
فسنجد عمومية الألفاظ وشموليتها مما
يتناسب مع عمومية المعاني وتطاولها ، ويتواكب مع استقرار كل الجزئيات وعدم تناهيها
، وذلك من أعاجيب القرآن وطرائفه ، وهذه الألفاظ في هذه الآية هي : دابة ، الأرض ،
الله ، رزقها ، مستقرها ، مستودعها ، كل ، كتاب.
هذه الألفاظ في تراصفها وتقاطرها تفيد
عموماً لا خصوص معه وتتجه نحو الإطلاق فلا تقييد ، كما سنرىٰ في هذا العرض :
ـ
الدابة تستوعب مجموعة عامة مركبة من خلق
الله مما دبَّ وهب ودرج من الانس والجن والطير والأنعام والوحوش والهوام وكائنات
لا نعرفها ، ومخلوقات لا نتصورها ، أرأيت عمومية وشمولية كهذا في دلالة لفظ واحد
عليه مع عدم إمكان حصر ملايين النسمات في ضوئه.
والأرض هذه الكرة الفسيحة بجبالها
ووهادها ومفاوزها وأشجارها
________________